صدره رحباً لعقيدة الناس في آلهة متعددة، واستسلم متواضعا لعقيدة الفلاسفة في إله واحد؛ أما عقيدته هو التي ينبض بها قلبه فهي أن الله روح تجسد في الناس جميعا، وعبادة الله الحقيقية التي لا عبادة سواها، هي خدمة الإنسانية خدمة صادرة عن حب.
ولقد اختاره كثيرون من رقاق النفوس "شيخا" لهم، منهم الأغنياء والفقراء، ومنهم البراهمة والمنبوذون، وألفوا جمعية باسمه وقاموا بحملة تبشيرية بمذهبه؛ وألمع هؤلاء الأتباع شخصية هو شاب معتد من طبقة الكشاترية واسمه "نارندرانات دوت"، الذي تقدم إلى "راما كرشنا" بادئ ذي بدء - وكان عقله عندئذ قد أفعم بآراء "سبنسر" و "دارون" - على أنه ملحد لا يجد غير شقوة النفس في إلحاده، لكنه في الوقت نفسه مزدر للأساطير والخرافات التي لم يكن الدين في رأيه إلا إياها؛ فلما غلبته من " راما كرشنا " طيبته الصابرة، أصبح "نارن" بين أتباع "الشيخ" أشدهم تحمساً، وأعاد لنفسه تعريف الله بأنه "مجموعة الأرواح كلها"(٢١) وطالب الناس بأن يباشروا الدين، لا عن طريق التقشف والتأمل الفارغين، بل عن طريق خدمة الإنسانية خدمة تستنفد من أنفسهم كل تقواها.
"أرجئوا إلى الحياة الآخرة قراءة "الفيدانتا" واصطناع التأمل، وأصرفوا هذا البدن الذي يحيا هاهنا إلى خدمة الآخرين … إن الحقيقة السامية التي لا حقيقة بعدها هي هذه: الله موجود في الكائنات جميعا، فهذه الكائنات صوره الكثيرة، وليس وراءها إله آخر يبحث الإنسان عنه، ليس هناك سبيل إلى خدمة الله سوى خدمة سائر الكائنات! "(٢٢).
وغير اسمه وجعله "فيفي كاناندا" وغادر الهند ليجمع مالا يعين المبشرين بمذهب "راما كرشنا" على أداء رسالتهم، حتى إذا ما كان عام ١٨٩٣ م، وجد نفسه ضالا معدما في مدينة شيكاغو، فما هو إلا أن ظهر في "برلمان الديانات"