وفي نفس الوقت (مارس ١٦٤٢)، وكان قد نشر باسمه كتيباً أكثر موضوعية:"إثارة تفكير حكومة الكنيسة في حظر السلطة الأسقفية": "هذا النير البغيض الذي لا يمكن أن يزدهر أي عقل حر أو موهبة ممتازة تحت وطأة ما يفرضه من غباء وعداء تعسفي وطغيان"(٤٧). وسلم بالحاجة إلى نظام أخلاقي واجتماعي. والحق أن ملتون أدرك أن في نهوض النظام وسقوطه مفتاح ارتقاء الدول وانهيارها:
ليس في هذا العالم شيء أعظم أهمية وأشد إلحاحاً وخطراً في كل حياة الإنسان بأسرها من النظام. وهل أنا في حاجة إلى ضرب مثل على ما أقول؟ إن كل من قرأ في تبصر وتدبر عن الأمم والدول … لابد أن يقر على الفور بأن ازدهار المجتمعات المتحضرة واضمحلالها، وكل تحركات الأحداث البشرية وتحولاتها، إنما تروح وتجيء وكأنها على محور عجلة النظام. وأنه ليس ثمة كمال اجتماعي في هذه الدنيا، مدني أو ديني، يمكن أن يسمو فوق النظام وقواعد الانضباط. لأن النظام هو الذي، بفضل أوتاره الموسيقية يحافظ على كل أجزاء الحياة ويمسك بها متضامة بعضها إلى بعض (٤٨).
ومثل هذا النظام، على أية حال يجب ألا يستقي من أية هيئة كهنوتية متسلسلة في رتب الكنيسة، بل من إدراك أن كل إنسان بذاته يمكن أن يكون كاهناً.
وفي كل المراحل كان ملتون يعي ويدرك كل قدراته ومواهبه. أنه قدم للجزء الثاني من رسالته بقطعة عن سيرة حياته، وأبدى فيها حزنه لأن النزاع قد باعد بينه وبين إخراج عمل عظيم شغل باله طويلاً: إن هذا الذي أداه أعظم العباقرة وصفوتهم في أثينا وروما أو إيطاليا الحديثة، والعبرانيون القدامى، لبلادهم، يمكن أن أقوم به أنا لبلدي، بدوري، ويقدر حظي من الحياة والعمل، هذا بالإضافة إلى أني فوق كل شيء مسيحي (٤٩). "وروى ملتون كيف أنه كان بالفعل يعد الموضوعات التي يضمنها مثل هذا