"فإني كذلك سألت نفسي: إذا كان التجرد عن العفة في المرأة التي ينعتها القديس بولص بأنها فخر الرجل، فضيحة وخزياً وعاراً، فالأمر يقيناً كذلك في الرجل الذي هو صورة الله وفخره معاً، فإنه لا بد أن يكون أشد فساداً وعاراً، لأنه يقترف الإثم ضد جسده، وهو الجنس الأكمل، وضد فخره الذي يكمن في المرأة، والأنكى من ذلك ضد صورة الرب وفخره ماثلين في شخصه هو (٤٤).
ومن ثم نجد ملتون يرثي لأخلاق كثير من الشعراء القدامى، ويؤثر عليهم دانتي وبترارك، اللذين لم يكتبا قط إلا تكريماً وتشريفاً منهما لأولئك الذين نذرا لهم أشعارهما التي عرضا فيها أفكاراً سامية نقية، دون تأثيم وانتهاك للحرمات. ولم ألبث إلا قليلاً حتى تأكد عندي هذا الرأي: إن هذا الذي لا يمكن أن يخيب أمله في أن يكتب كتابة جيدة، ويجدر أن يكون هو نفسه قصيدة صادقة، أي مركباً مكوناً من أفضل الأشياء وأشرفها، لا يقدم على أن يكون قصيدة عقود مدح وثناء للرجال البطوليين أو المدائن المشهورة، إلا إذا أوتي من التجربة والخبرة والمران على كل ما هو أهل للثناء والإطراء (٤٥).
وبعد هذا المثال الذي اقتبسناه، انتقل ملتون إلى الحديث عن قدمي الأسقف وحوربه الذي يبعث "برائحة منتنة إلى السماء". وإذا بدت هذه اللغة غير لائقة باللاهوت فإنه دافع عنها "بقواعد أعظم البلغاء" وبأنه يحذو حذو لوثر، وذكر قراءه بأن "المسيح نفسه وهو يتحدث عن التقاليد البغيضة لا يتردد في استعمال ألفاظ مثل الغائط والمرحاض" (٤٦).
والآن نكتفي بهذا القدر من النزاع الكريه الكئيب، الذي سقناه لأنه يلقي ضوءاً على شخصية ملتون وعلى آداب السلوك في ذاك العصر، ولأنه وسط هذا الهراء القاسي وفوضى الأجرومية والجمل الطويلة، كانت هناك قطع نثرية ذات جرس موسيقي، مشرقة تهز المشاعر مثل شعر ملتون