للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إن أسرة طاغور لتعد بين أعظم ما شهد التاريخ من أسر؛ فقد كان "دافندرانات طاغور" "وبالبنغالية تاكور" أحد القائمين على تنظيم الجمعية الإصلاحية "براهما ـ سوماج" ثم أصبح فيما بعد رئيسا لها؛ وهو رجل ذو ثراء وثقافة ووقار، ولما بلغ شيخوخته، كان للبنغال بمثابة الراعي الذي يميل برعيته عن جادة الدين؛ ومن نسله "أبانندرانات"، "جوجونندرانات" والفيلسوف "دويجندرانات" والشاعر "رابندرانات" وكل هؤلاء ينتسبون إلى طاغور، والأخيران منهما ابناه.

نشأ "رابندرانات" في جو من البحبوحة والتهذيب، فكانت الموسيقى والشعر والحوار الرفيع الهواء الذي يتنفسه؛ وكان روحا رقيقا منذ ولادته، شبيها بـ "شيلى" الذي أبى أن يموت صغيراً كما أبى أن يشيخ، وكان من الحنان بحيث تشجعت فئران السنجاب على ارتقاء ركبتيه، واطمأنت الأطيار إلي الوقوف على راحتيه (٢٤)؛ وكان دقيق الملاحظة، متفتح النفس، يحس دوى ما تأتيه به تجارب الحياة بإحساس مرهف كإحساس المتصوفين؛ فكان أحيانا يقف في شرفته ساعات، يلاحظ بنظرته الأدبية كل من يمر أمامه في الطريق: قوامه وقسماته وحركاته التي تميزه وطريقه مشيته، أحيانا يجلس على كنبة في غرفة داخلية، ويظل نصف يومه صامتاً، تمر في رأسه الذكريات والأحلام؛ وبدأ ينظم الشعر على لوح إردوازي، مغتبطا بكون الأخطاء يمكن محوها (٢٥) وسرعان ما وجد نفسه ينشد الأغاني المترعة بحبه للهند ـ حبه لجمال منظرها، وفتنة نسائها، وعطفه على أهلها في آلامهم، وكان ينشئ لهذه الأناشيد موسيقاها بنفسه؛ فآخذت الهند كلها تتغنى بها وكان الشاعر الشاب يهتز كيانه كلما سمعها على شفاه أهل الريف السذج، إذ هو في طريقه مسافر خلال القرى النائية (٢٥ أ) وهاك أغنيه منها، ترجمها عن البنغالية مؤلفها نفسه، فمن سواه قد عبر تعبيرا يمازجه تشكك العطوف، عن لغو الغرام الذي لا يخلو من قدسية؟