هادئة، وفيها فهم دقيق دقة التأنث للحب وللمرأة وللطبيعة وللرجل، وفيها نفاذ بالعاطفة الحادة إلى صميم الفلاسفة الهنود بما لهم من بصيرة نافذة، وفيها رقة عاطفة وعبارة تشبه رقه "تنسن" ولو كان في أشعاره عيب، فذلك جمالها الذي يطرد في كل أجزائها اطرادا جاوز الحد المطلوب، ورقتها ومثاليتها اللتان اطردتا كذلك اطرادا يحدث الملل؛ فكل امرأة في هذه الأشعار جميلة، وكل رجل فيها مفتون بامرأة أو بالموت أو بالله؛ والطبيعة فيها - وإن تكن بشعة أحيانا ـ فهي دائما خليلة، يستحيل عليها الكآبة والقحط والفظاعة (١)، ولعل قصة "شترا" هي قصة "طاغور"؛ فحبيبها "أرجونا" قد ملها بعد عام لأنها جميلة جمالا كاملا لا يعتوره نقص؛ ولا يعود الله إلى حبها إلا بعد أن تفقد جمالها وتكتسب قوة تمكنها من مزاولة أعباء الحياة الطبيعية ـ وحب الله لها رمز عميق يشير إلى الزواج السعيد (٢٨) ويعترف طاغور بأوجه النقص في شعره اعترافا يسحرك برقته:
إن شعرك يا حبيبتي قد دارت في رأسه يوما ملحمة عظيمة
وأسفاه، لم أحرص عليها، وصادفت خلخالك فتفرقت أجزاؤها
وتمزقت قصاصات من أغان، لبثت منثورة عند قدميك
وعلى ذلك فقد أخذ يتغنى بالقصائد الوجدانية حتى نهايته، واستمع له العالم كله بآذان طربه إلا النقاد؛ ودهشت الهند بعض الشيء حين أنعم على شاعرها بجائزة نوبل ١٩١٣) م) لأن رجال النقد في البنغال لم يكونوا قد رأوا فيه إلا أخطاءه، واتخذ الأساتذة في كلكتا من أشعاره أمثلة تساق للغة البنغالية في أسلوبها الركيك (٣٠) وكرهه الشبان المتأججين بنار الوطنية لأن مهاجمته لما في حياة الهند الخلقية من عيوب، كانت أقوى دويا من صيحته في سبيل الحرية السياسية، ولما أنعم عليه بلقب "سير" عدوا ذلك منه خيانة للهند؛ ومع ذلك
(١) اقرأ مثلا بيته الرائع: "إذا ما رحلت عن هذه الدنيا، فلتكن أخر كلمة ارحل بعدها هي أن ما شهدته فيها ليس بعد كماله كمال".