وفي مايو ٤٣ شخصاً، وهكذا تفاقم الحال حتى حل الصيف الحار مع مطر قليل يساعد على تنظيف الشوارع، فكان ضغثاً على إبالة، وأيقنت لندن التي ملأها الفزع والجزع، أنها تواجه شيئاً شبيهاً بالموت الأسود ١٣٤٨ الذي لا تزال ذكراه عالقة بالأذهان. وكان ديفو آنذاك صبياً في السادسة، ولكنه استطاع أن يعي قدراً كبيراً مما تردد في هاتيك الأيام عن الطاعون، فكتب قطعة خيالية بعنوان "صحيفة عام الطاعون" تكاد نتكون في منزلة التاريخ (٨٠):
"منذ الأسبوع الأول من يونيو انتشرت العدوى بصورة الرهيبة، وارتفعت أرقام الوفيات، وعمد الناس إلى إخفاء قلقهم قدر الطاقة، حتى يحولون دون ابتعاد جيرانهم عنهم، أو دون إغلاق الحكومة لبيوتهم. وفي يونيو تزاحم الأغنياء على مغادرة المدينة، وفي هويتشا بل ما كان يمكن أن ترى إلا العربات، وعربات اليد تحمل البضائع والنسوة والأطفال وغيرهم، بالإضافة إلى عدد لا يحصى من الرجال على ظهور الخيل .. وهو منظر رهيب وكئيب (٨١) ".
وزادت النذر والتنبؤات عن المصير المشئوم من الرعب، وأغلقت المسارح وحلبات الرقص والمدارس ودور المحاكم. وانتقل الملك وحاشيته في يونيو إلى أكسفورد "حتى يحوطهم الله برعايته إن شاء" دون أن يمسهم سوء، ولو أن صيحات التأنيب تعالت ضدهم لأنهم هم الذين جلبوا هذا البلاء، عقاباً من عند الله، على فسادهم وفجورهم، وبقي رئيس أساقفة كنتربري في مقره في لامبث، ينفق في كل أسبوع عدة مئات من الجنيهات عوناً للمرضى والأموات. وبقي موظفوا المدينة فيها يقومون بأعمال بطولية. وأرسل الملك ألف جنيه ورجال الأعمال في "السيتي" ستمائة جنيه أسبوعياً، وهرب كثير من الأطباء ورجال الدين، وبقي آخرون وقضى كثيرون نحبهم متأثرين بالعدوى. وجرب الناس الأدوية والعلاجات على أختلاف أنواعها، فلما أخفقت لجأوا إلى التمائم والتعاويذ التي قد تصنع