مجتمع زراعي راكد لا يتغير؛ وهو إن ضمن النظام فلا يتيح طريق الصمود للعبقري إذا ظهر في طبقة دنيا، ولا يفسح من مجال الطموح والأمل، ولا يحفز الناس على الابتكار والمغامرة؛ ولذا فقد قضى عليه بالفناء حين بلغت الثورة الصناعية شواطئ الهند؛ فالآلات لا احترام عندها للأشخاص، ففي معظم المصانع يعمل الناس جنبا إلى جنب بغير تميز الطبقات؛ والقطارات وعربات الترام تهيئ مكانا للجلوس أو للوقوف لكل من يدفع الأجر المطلوب والجمعيات التعاونية والأحزاب السياسية تضم كل المراتب في صعيد واحد؛ وفي زحمة المسرح أو الطريق في المدينة، تتدافع المناكب بين البرهمي والمنبوذ فتنشأ بينهما زمالة لم تكن متوقعة؛ وقد أعلن أحد الراجات أن كل الطبقات والعقائد ستفتح لها أبواب قصره؛ وأصبح رجل من فئة "الشودرا" حاكماً مستنيراً لإقليم "بارودا" واستنكرت جمعية "براهما - سوماج" نظام الطبقات؛ وأيد "مؤتمر بنغال الإقليمي" التابع "للمؤتمر القومي" إلغاء الفوارق الطبقية كلها فوراً (٣٦)، وهكذا تعمل الآلات على رفع طبقة جديدة رويدا رويدا إلى الثراء والقوة وتسدل الستار على طبقة أرستقراطية هي أقدم الطبقات الأرستقراطية القائمة اليوم.
وبالفعل فقدت الألفاظ المستعملة في التمييز بين الطبقات معانيها؛ فكلمة "فاسيا" تراها في الكتب اليوم، لكنك لا ترى لها مدلولاً في الحياة الواقعة؛ حتى كلمة "شودرا" قد اختفت في الشمال، بينما ظلت في الجنوب قائمة لكنها باتت لفظة تدل دلالة غامضة على كلٌ من ليس ببرهمي (٣٧)؛ والواقع أن الطبقات الدنيا في سالف الأيام قد حل محلها ما يزيد على ثلاثة آلاف "طبقة" هي في الحقيقة نقابات: ممولون وتجار وصناع ومزارعون ومعلمون ومهندسون وبائعون جوابون وجزارون وحلاقون وسماكون وممثلون ومستخرجو الفحم، وغسالات وبائعات وحوذية وماسحو أحذية - هؤلاء تنتظمهم طبقات مهنية