لا أطلب الرحمة، ولا أتوسل إليكم أن تخففوا عني العقاب، إنني هنا - إذن - لأرحب وأتقبل راضياً أقسى عقوبة يمكن معاقبتي بها على ما يعدّه القانون جريمة مقصودة، وما يبدو لي أنه أسمى ما يجب على المواطن أداؤه (٦٢).
وعبر القاضي عن عميق أسفه لاضطراره أن يزج في السجن برجل يعدُّه الملايين من بني وطنه "وطنياً عظيماً وقائداً عظيماً" واعترف بأنه حتى أولئك الذين لا يأخذون بوجهة نظر غاندي، ينظرون إليه نظرتهم إلى "رجل ذي مثل عليا وحياة شريفة بل إن حياته لتتصف بما تتصف به حياة القديسين"(٦٣) وحكم عليه بالسجن ست سنوات.
سُجنَ غاندي سجناً منفرداً لكنه لم يتألم، وكتب يقول "لست أرى أحداً من المسجونين الأخرين، ولو أنني في الحق لا أدري كيف يمكن أن يأتيهم الضرر من صحبتي لكني أشعر بالسعادة، إني أحب العزلة بطبيعتي، وأحب الهدوء، ولديّ الآن فرصة سانحة لأدرس موضوعات لم يكن لي بد من إهمالها في العالم الخارجي (٦٤) وراح يعلم نفسه بما يزيد من ثورته في كتابات "بيكن" و "كارلايل" و "رسْكُن" و "إمرسن" و"ثورو" و "تولستوي، وسرّى عن نفسه كروبها مدى ساعات طوال بقراءته لـ "بن جونْسن" و "وولترسكُتْ" وقرأ "بها جافاد جيتا" مراراً، ودرس السنسكريتية والتامِليَّة والأردية، حتى لا يقتصر على الكتابة للعلماء، بل ليستطيع كذلك أن يتحدث إلى الجماهير، ولقد أعدَّ لنفسه برنامجاً مفصلاً لدراساته خلال الستة الأعوام التي سيقضيها في سجنه، وكان أميناً في تنفيذ ذلك البرنامج، حتى تدخلت الحوادث في تغيير مجراه، "لقد كنت أجلس إلى كتبي بنشوة الشاب وهو في الرابعة والعشرين، ناسياً أني قد بلغت من العمر أربعة وخمسين وأني عليل "(٦٥).