كان مرضه "بالمصران الأعور" طريق خلاصه من السجن، كما كان الطب الغربي الذي طالما أنكره، طريق نجاته من المرض؛ وتجمع عند بوابات السجن حشد كبير لتحيته عند خروجه وقبَّل كثيرون منهم ثوبه الغليظ وهو ماضٍ في طريقه؛ لكنه اجتنب السياسة وتوارى عن أنظار الشعب، وعني بضعف بنيته ومرضه، وأوى إلى مدرسته في أحمد أباد حيث أنفق أعواماً طوالاً مع طلابه في عزلة هادئة؛ ومع ذلك فقد أخذ يرسل من مَكْمنه ذاك كل أسبوع بمقال افتتاحي تنشره له الجريدة التي كانت لسان حاله، وهي جريدة "الهند الفتاة" وجعل يبسط في تلك المقالات فلسفته عن الثورة والحياة؛ والتمس من أتباعه أن يجتنبوا أعمال العنف، لا لأن العنف بمثابة الانتحار للهند فقط، ما دامت الهند عزلاء من السلاح، بل لأنه كذلك سيضع استبداداً مكان استبداد آخر؛ وقال لهم:"إن التاريخ ليعلمنا أن أولئك الذين دفعتهم الدوافع الشريفة إلى اقتلاع أصحاب الجشع باستخدام القوة الغشوم، أصبحوا بدورهم فريسة لنفس المرض الذي كان يصيب أعداءهم المهزومين … إن اهتمامي بحرية الهند سيزول لو رأيتها تصطنع لحريتها وسائل العنف، لأن الثمرة التي تجنيها من تلك الوسائل لن تكون الحرية، بل ستكون هي الاستعباد"(٦٦).
وثاني العناصر في عقيدته هو رفضه القاطع للصناعة الحديثة، ودعوته التي تشبه دعوة روسو في سبيل العودة إلى الحياة الساذجة، حياة الزراعة والصناعة المنزلية في القرى، فقد خيل لغاندي أن حبس الرجال والنساء في مصانع، يعملون - بآلات يملكها سواهم - أجزاء من مصنوعات لن يتاح لهم قط أن يروها وهي كاملة، طريقة ملتوية لشراء دمية الإنسان تحت هرم من سلع بالية، ففي رأيه أن معظم ما تنتجه الآلات لا ضرورة له. والعمل الذي يوفره استخدام الآلات في الصناعة يعود فيستهلك في صنعها وإصلاحها، أو إن كان هناك عمل قد ادخرته الآلات فعلاً، فليس هو من صالح العمل نفسه، بل من صالح رؤوس الأموال، فكأنما الأيدي العاملة تقذف بنفسها بسبب