إنتاجها في حياة يسودها الذعر لما يملؤها من "تعطل ناشئ عن الأساليب العلمية في الصناعة"(٦٧) ولذلك عمل على إحياء حركة "سواديشي" التي حمل لواءها "تيلاك" سنة ١٩٠٥، وأضيف مبدأ "الإنتاج الذاتي" إلى مبدأ "سواراج" أي "الحكم الذاتي"، وجعل غاندي استخدام "الشاركا" - أي عجلة الغزْل - مقياساً للتشيع المخلص للحركة القومية وطالب كل هندي، حتى أغناهم، بأن يلبس ثياباً من غزْل البلاد، وأن يقاطع المنسوجات البريطانية الآنية، حتى يتسنى للدور في الهند أن تطنَّ من جديد في فصل الشتاء الممل بصوت المغازل وهي تدور بعجلاتها (٦٨).
لكن الناس لم يستجيبوا بأجمعهم لدعوته، لأنه من العسير أن توقف التاريخ عن مجراه، ومع ذلك فقد حاولت الهند على كل حال أن تستجيب لدعوته، فكنت ترى الطلبة الهنود في كل أرجاء الأرض كلها يرتدون "الخضَّار"؛ ولم تعد سيدات الطبقة العالية يلبسن "الساري" من الحرير الياباني، بل استبدلن به ثياباً خشنة من نسيج أيديهن وجعلت العاهرات في مواخيرهن والمجرمون في سجونهم يغزلون، وأقيمت المحافل الكبرى في المدن كثيرة كما كان يحدث في عهد "سافونا رولا" - حيث جاء الهنود الأغنياء والتجار بما كان في دورهم أو في مخازنهم من المنسوجات الواردة من الخارج، فألقوا بها في النار، ففي بمباي وحدها، أكلت ألسنة اللهب مائة وخمسين ألف ثوب من القماش (٦٩).
ولئن فشلت هذه الحركة التي قصدت إلى نبذ الصناعة؛ فقد هيأت للهند مدى عشرة أعوام رمزاً للثورة، وعملت على تركيز ملايينها الصامتة في اتحاد جديد من الوعي السياسي، وارتابت الهند في قيمة الوسيلة لكنها أكبرت الغاية المنشودة؛ فإذا كانت قد تزعزعت ثقتها بغاندي السياسي فقد أحلت في سويداء قلبها غاندي القديس، وأصبحت الهند كلها لحظة من الزمن بمثابة الرجل الواحد وذلك باتحادها في إكباره، فكما يقول عنه طاغور:
"إنه وقف على أعتاب آلاف الأكواخ التي يسكنها الفقراء ولبس ثياباً