للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان حبها أحياناً حباً لا يقيم وزناً لصوت الضمير كما قد يكون الحب. ففي ١٦٦٩ يبدو أن سوبيسكي قبل المال الفرنسي ليؤيد كردينالاً فرنسياً ضد فسنيوفيكي. وبعد انتخاب ميخائيل انضم جان إلى غيره من النبلاء في مغامرات تستهدف خلع الملك لأنه جبان لا يصلح للدفاع عن بولندة ضد العثمانيين ولا رغبة له في هذا الدفاع. وقاد بنفسه رجاله إلى انتصارات أربعة خلال عشرة أيام. وفي ١١ نوفمبر ١٦٧٣، وهو اليوم الذي مات فيه الملك، دحر سوبيسكي العثمانيين في خوتين ببسارابيا. وجعله هذا النصر المرشح المنطقي لعرش لا قبل الآن بدفع الأعداء المحدقين به من كل جانب إلا لأصلب القتال وأشده تصميماً. ولكي يدعم المنطق حضر إلى هيئة الديت الناخبة على رأس ستة آلاف مقاتل. ولعب المال الفرنسي دوراً في انتخابه، ولكن هذا كان يتفق وسنّة العصر تمام الاتفاق.

ولقد كان ملكاً بجسمه وروحه كما كان باسمه. وصفه الأجانب بأنه "من أكثر الرجال وسامة وأكملهم بنية" في أوربا، "له طلعة نبيلة شماء، وعينان تشعان نوراً وناراً (٦) " قوي البدن، مثابر على الإنجاب، متطلع العقل متيقظه. وقد حفز حبه الطبيعي للتملك إسراف حبيبته ماريزنيكا، ولكنه كثيراً ما عوض عن بخل البرلمان الشحيح بدفع رواتب جنده من جيبه، وبيع أملاكه ليشتري لهم البنادق (٧). وقد استحق كل ما أخذ، لأنه أنقذ بولندة وأوربا جميعاً.

ذلك أن سياسته الخارجية كانت بسيطة في هدفها، وهو ردّ العثمانيين إلى آسيا، أو على الأقل صد هجماتهم على معقل العالم المسيحي الغربي بفيينا. وقد عاكس جهده هذا تحالف حليفته فرنسا مع السلطان العثماني، ومحاولات الإمبراطور أن يزج به في الحروب التركية، وكان ليوبولد الأول يأمل إذا وفق في محاولاته هذه أن تطلق يد النمسا في تملك الأراضي الدانيوبية أو المجرية التي كانت كل من النمسا وبولندة تدعي الحق فيها لنفسها. وبينما كان سوبيسكي يتحسس طريقه غاضباً وسط هذه المتاهة، تاقت نفسه لحرية تخطيط السياسة وإصدار الأوامر دون أن يكون خاضعاً في كل خطوة للبرلمان والفيتو المطلق. وحسد لويس الرابع عشر والإمبراطور على سلطتهما في اتخاذ القرارات بصورة قاطعة ثم إصدار الأوامر دون إبطاء.