من فوره إلى روسيا، ولكن قرب كراكو وصله تأكيد بأن الثورة أخمدت. ولبث أربعة أيام في رافا مع أوغسطس الثاني ملك بولندة. وأدهشه وأبهجه أن يجد ملكاً يستطيع أن يباريه في قوة البدن، وصيد الوحوش، والإسراف في الشراب. وقد أحب أحدهما الآخر، وتعانقا، وتناقشا في أي البلدين يجب أن يكون أول ضحية لصداقتهما، السويد أم تركيا. وفي ٤ سبتمبر وصل بطرس إلى موسكو بعد ثمانية عشر شهراً من رحلة عينت في رأي ماكولي "حقبة في التاريخ-لا تاريخ بلده فحسب … بل تاريخ العالم (٢٤) ". لقد اكتشفت روسيا أوربا، واكتشفت أوربا روسيا. وبدأ ليبنتز يدرس الروسية.
على أن بطرس كان لا يزال له طبع مسكوفيي القرن السابع عشر. إنه لم يغتفر قط لحامية موسكو اشتراكهم في قتل أخواله وماتفيف، وفي تمكين صوفيا من اغتصاب السلطة. ولم يكن في خططه لتنظيم جيش جديد مكان لهذا "الحرس الإمبراطوري" المثير للمتاعب. فلما نمى إليه أن صوفيا فاوضتهم من ديرها ليعيدوها إلى الحكم، وأنهم هددوا ليفور وغيرهم من أهل "المستوطنة الألمانية"، وأنهم أذاعوا الشائعات بأنه يخون ديانة روسيا في ولعه بالغرب، استحال غضبه تشنجاً يطلب الانتقام. فأمر بتعذيب نفر كبير من الحامية ليحملهم على الاعتراف بدور صوفيا في تمردهم، ولكنهم تجلدوا لأروع ضروب العذاب دون أن يحملوها أي تبعة، ومر بتعذيب أتباعها بنفس الهدف والنتيجة. وأكرهت صوفيا على أن تقطع على نفسها نذر الرهبنة، وأحكم حبسها في ديرها، حيث ماتت بعد ست سنوات. ثم أعدها ألفاً من رجال الحامية قتل بطرس منهم خمسة بيده، وأكره مساعديه على أن يقتدوا به، ولكن ليفور أبى. وما وافى عام ١٧٠٥ حتى كانت حامية موسكو (السترلتسي) قد اختفت من التاريخ.
وشرع بطرس من فوره في بناء يش جديد. وكان الجيش القديم قوامه رجال الحامية، والمرتزقة الأجانب، والمجندون من الفلاحين يجمعهم الأشراف. فاستبدل بطرس هذا الخليط جيشاً دائماً عدته ٢١٠. ٠٠٠ مقاتل بتجنيده رجلاً من كل عشرين أسرة من أسر الفلاحين. وألبس هؤلاء الجنود سترات عسكرية "أوربية" ودربوا على تكتيك الغرب. أما مدة الخدمة لجميع الرتب فهي مدى الحياة. وفضلاً عن