تتمتع بها هذه المؤسسات. فلما مات البطريرك أوريان (أكتوبر ١٧٠٠)، امتنع بطرس عمداً عن تعيين خلف له، وأصبح هو نفسه رئيساً للكنيسة على نحو ما فعل هنري الثامن في إنجلترا، وتزعم حركة إصلاح ديني في روسيا. وظل منصب البطريرك شاغراً إحدى وعشرين سنة، فحرمت الكنيسة الأرثوذكسية زعيماً يتصدى لإصلاحات بطرس. وفي ١٧٢١ ألغى المنصب كله، وأحل مكانه "مجمعاً مقدساً" من رجال الكنيسة يعينه القيصر ويخضع لوكيل علماني. وفي ١٧٠١ نقل إدارة الممتلكات الكنسية إلى إحدى مصالح الحكومة، واختزل اختصاص المحاكم الكنسية، وأخضع تعيين الأساقفة لتصديق الحكومة. ومنعت مراسيم أخرى رسامة المتصوفين أو المتعصبين، وحدت من عدد مراكز صنع المعجزات. وقضي على الرجال ألا يقطعوا على أنفسهم نذور الرهبنة قبل الثلاثين، وعلى النساء ألا ينذرن أنفسهن نهائياً للرهبنة قبل الخمسين (١٧). وتقرر إلزام الراهبان بالقيام بعمل نافع. وأجرت الحكومة تعداداً للممتلكات والإيرادات الديرية، وترك بعض الإيراد للأديار، وخصص الباقي لإنشاء المدارس والمستشفيات (١٨).
واستسلم معظم الأكليروس لحركة الإصلاح الديني الروسي هذه، وهو إصلاح لم يمس العقيدة كما لم يمسها هنري الثامن. وندد بعض المخالفين ببطرس عدواً للمسيح، وأهابوا بالشعب أن يرفضوا طاعته ودفع الضرائب له. فأمر بالقبض على زعماء هذا التمرد، وتصرف معهم بطريقته العادية. فجلد البعض ونفوا إلى سيبيريا، وسجن البعض مدى الحياة، ومات أحدهم من التعذيب، وأحرق اثنان منهم حرقاً بطيئاً حتى الموت (١٩).
وفي غير هذا كان بطرس متمشياً مع الغرب في التسامح الديني. فحمى المخالفين من الاضطهاد ما داموا بعيدين عن السياسة. وفي سانت بطرسبورج، وبهدف تشجيع التجارة، سمح ببناء الكنائس الكلفنية واللوثرية والكاثوليكية على "النيفسكي بروسبكت"، أصبح يلقب "مكان التسامح (٢٠) " وحمى الرهبان الكبوشيين الذين دخلوا روسيا، ولكنه نفى اليسوعيين (١٧١٠) لمثابرتهم الشديدة على