الدعوة لكنيسة روما. وكانت إصلاحات بطرس الدينية بوجه عام أبقى إصلاحاته كلها، فقد أنهت العصور الوسطى في روسيا.
ثم غيرت عملية ضخمة من العلمنة حياة روسيا وروحها، من تحكم الكهنة وملاك الأراضي إلى حكم الدولة الذي كاد يصل إلى حد التنظيم العسكري الصارم. فقد أخضع بطرس النبلاء لإرادته، وأكرههم على خدمة الشعب، وأعاد تنظيم مراتب المجتمع حسب أهمية الخدمة الاجتماعية التي تؤدى. فنبتت أرستقراطية جديدة، تتألف من موظفي الجيش والبحرية ودواوين الدولة. ورأس الحكومة مجلس شيوخ من تسعة رجال (زيدوا بعد ذلك إلى عشرين) يعينهم القيصر، وكان يديرها تسع هيئات أو "كليات" تختص بالضرائب والدخل، والمصروفات، والحسابات، والرقابة، والتجارة، والصناعة، والعلاقات الخارجية، والحرب، والبحرية، والقضاء، وكان حكم الأقاليم الأثنا عشر، أو "الجوبيرنييا" والمجالس التي تحكم المدن، مسئولين أمام مجلس الشيوخ. وقسم سكان كل مدينة إلى طبقات ثلاث: التجار الأغنياء والمهنيين، والمدرسين والحرفيين، والأجراء والعمال، والطبقة الأولى وحدها هي التي يجوز انتخابها للمجلس البلدي (الماجسترا)، والطبقتان الأوليتان وحدهما لهما حق التصويت، ولكن لكل دافعي الضرائب الذكور الحق في الاشتراك في اجتماعات المدينة. وظهر "المير" أو مجتمع القرية، لا بوصفه مؤسسة ديمقراطية، بل هيئة مسئولة بجملتها عن ضريبة الرءوس التي أدخلت في ١٧١٩. وحد الإشراف المركزي من الاستقلال المحلي، ولم يكن هناك أي تفكير في النظم الديمقراطية، لأن التغيير السريع الذي اختطه بطرس لا سبيل إلى تحقيقه-إن كان هناك سبيل على الإطلاق-إلا بالسلطة الدكتاتورية.
ووجب أن يشمل ذلك التغيير الاقتصاد كما شمل السياسة، لأن مجتمعاً زراعياً خالصاً لا يمكن أن يحتفظ باستقلاله طويلاً أمام دول أغنتها الصناعة وزودتها بالسلاح. وقد أورد اقتصاد ألماني عاصر ذلك العهد رأياً سيثبت صوابه القرنان التاليان له-وهو أن الأمة التي لا تصدر في الأكثر غير الخامات والحاصلات الزراعية لن تلبث أن