للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأن الفلاح الروسي الذي ضربت جذوره في الأرض وانغلق فيها لم يقبل على البحر برغبة أو كفاية. وفي داخل روسيا نفسها كانت المسافات الشاسعة والطرق الوعرة تعوق التجارة. ولكن الأنهار كانت وفيرة، تغذيها ثلوج الشمال وأمطار الجنوب، فإذا تجمدت الأنهار ففي صلابة تتحمل بفضلها الأثقال شأنها شأن الطرق المتجمدة. وكانت الحاجة ماسة لربط هذه الأنهار بقنوات-تصل النيفا والدوينا بالفولجا، والفولجا بالدون، فيرتبط البلطيق بالبحر الأبيض بالبحر الأسود وبحر قزوين. وأرسس بطرس الأساس لهذه المجموعة الكبيرة، وافتتح في ١٧٠٨ القناة الموصلة بين النيفا والفولجا، ولكن كان لا بد أن تنقضي عهود ملكية عديدة قبل أن تكتمل هذه الشبكة، وقد لقي الألوف من العمال حتفهم في هذه المحاولة.

وأكرهت الحرب والمشروعات المتنوعة بطرس على جمع رأس المال بمقادير لم يسبق لها نظير في روسيا. وقد حصل على بعضه بإعطاء الحكومة احتكار إنتاج وبيع الملح، والتبغ، والقار، والدهون، والبوتاس، والراتنج، والغراء، والراوند، والكافيار، وحتى التوابيت المصنوعة من البلوط. وكانت هذه التوابيت تباع بربح بلغ أربعمائة في المائة، أما الملح فتواضع ربحه إلى مائة في المائة، ولكن القيصر أدرك أن الاحتكارات تعوق الصناعة والتجارة، فبعد أن أبرم الصلح مع السويد ألغاها بجرة قلم وأطلق التجارة الداخلية من عقالها. وبقيت التجارة الخارجية خاضعة لرسوم التوريد والتصدير، ولكنها كادت تبلغ عشرة أضعافها بين ١٧٠٠ ومرت بطرس في ١٧٢٥. وكان أكثرها تنقله سفن أجنبية، وما بقي منها ما أيد روسية كانت تعرقله الرشوة التي استشرت بحيث لم تجد فيها حتى عقوبات بطرس الوحشية.

أما نظام الضرائب فكان شاملاً. فقد كلفت هيئة خاصة عينتها الحكومة بوضع نظام لضرائب جديدة وإدارته. ففرضت الضرائب على القبعات والأحذية، وخلايا النحل، والحجرات، وأقبار الخمور والمؤن، والمداخن، والمواليد، والزيجات، واللحي. أما الضريبة على الأسر فقد عطلتها الهجرات الجماعية غير المنظمة، فاستبدل بها