الحكومية، ولا لأحد (٢٩)". وحير القيصر ازدياد الفقر وسط إصلاحاته، فجعل التسول أو التصدق على المتسولين جريمة، وأقام ستين منظمة لتوزيع الصدقات.
ولكن التسول استمر، والجريمة انتشرت. وكاد يسيطر على الطرق الأقنان الآبقون من الرق، والجنود والعمال المسخرون الذين هجروا معسكراتهم معرضين أنفسهم للموت. ونظموا أنفسهم أحياناً أفواجاً عدتها مئات حاصرن المدن واستولت عليها. ذكر قائد في ١٧١٨ "إن موسكو مباءة للسطو، وكل شيء فيها خرب، وعدد الخارجين على القانون يتضاعف، وإعدام المذنبين لا يتوقف أبداً". وأقام المواطنون المتاريس في بعض شوارع موسكو، وأحاطوا بعض البيوت بأسوار عالية اتقاء اللصوص. وحاول بطرس منع السرقة بالعقاب الصارم، فأمر بأن يشنق قطاع الطرق الذين يقبض عليهم، وأن تجدع أنوف الساطين على المنازل، الخ. ولكن هذه العقوبات لم تردع المجرمين. فقد شقت الحياة على الفقراء حتى لم يصبح هناك فرق يذكر في نظرهم بين عقوبة الإعدام وبين السجن المؤبد الذي يقضونه راسفين في أغلال القنية أو السخرة، واحتملوا أبشع ضروب العذاب بتجلد من ماتت أعصابهم.
واشتد كره الناس لبطرس حتى لقد أعجب الكثيرون أن أحداً لم يقتله. كرهه النبلاء لأنه أرغمهم على خدمة الدولة، ولأنه رفع الطبقات الصناعية والتجارية مقاماً وثراءً، وكرهه الفلاحون لأنه سخره في عمل اقتلعهم من أوطانهم، ومن أسرهم في كثير من الحالات، وكرهه رجال الكنيسة لأنه الوحش الوارد ذكره في سفر الرؤيا، والذي جعل المسيح ذاته خادماً للحكومة، وارتاب فيه كل الروس تقريباً لاختلاطه بالأجانب واستيراده الأفكار "الوثنية"، وخافت روسيا كلها بأسه لعنفه ولعقوباتها الوحشية. إن روسيا لم ترد هذا التغريب، إنها تمقت الغرب مقتاً شديداً، والاحتفاظ بروحها القومية كان يقتضيها أن تكون "سلافية الميول" ونشبت حركات تمرد يائسة بموسكو ١٦٩٨، وبأستراخان في ١٧٠٥، وعلى طول الفولجا في ١٧٠٧، وفي أوقات متفرقة في أرجاء الإمبراطورية وخلال العهد كله.