والطبقات الوسطى قد اضمحلت، ولم يعد يحكم المدن رجال الأعمال بل أمراء الأقاليم أو من ينوبون عنهم.
وكانت الحرب قد انتهت بكارثة على سلطة هابسبورج الإمبراطورية. ذلك أن فرنسا أذهلتها، وأذلت أسبانيا حليفة الإمبراطورية. وغدا الأمراء الألمان في مجموعهم أقوى من الإمبراطور فلهم جيوشهم، وقصورهم، وعملتهم، وهم يفصلون في سياساتهم الخارجية، ويؤلفون أحلافهم مع الدول غير الألمانية، بل ضد المصالح الإمبراطورية. وكان هناك نحو مائتي إمارة "زمنية" تستمتع الآن بهذا الاستقلال، وثلاثة وستون دويلة يحكمها رؤساء أساقفة أو أساقفة أو رؤساء ديورة يتبعون كنيسة روما الكاثوليكية، وإحدى وخمسون "مدينة حرة"، لا تخضع لغير الإمبراطور، وخضوعها لا يعدو أن يكون صورياً. واغتبطت فرنسا برؤية هذه الدويلات الألمانية الكثيرة بدلاً من ألمانيا الموحدة.
وكانت براندنبورج، إقليم الحدود الألماني، رمزاً على الإمبراطورية المحتضرة، وعلى ألمانيا جديدة تتخذ لها شكلاً جديداً. فهناك، وعلى منأى الإمبراطور، وفي مواجهة السويد وأمام جيش من الصقالبة، تعلمت أسرة هوهنزولرن أنه لا بقاء لدويلتهم إلا بمواردها وقوتها. ففي القرن العاشر كان هنري الصياد قد أقام "الحد الشمالي للسكسون" على طول الألب حصناً ضد الطوفان السلافي. وانتزع من الوند الصقالبة قلعتهم وعاصمتهم برنيبور (التي اشتق منها اسم براندنبورج) وردهم إلى الأودر. وظلت الأقاليم الواقعة بين الألب والأودور قروناً يتبادلها الألمان والصقالبة. ودخلت براندنبورج ساحة التاريخ دخولاً أنشط حين اشتراها فردريك هوهنزولرن، في ١٤١١ - ١٧، هي وصوتها الانتخابي في الديت الإمبراطوري. ومن ذلك التاريخ حكم بيت هوهنزولرن براندنبورج حتى أصبحت بروسيا، وحكم بروسيا حتى تنازل القيصر فلهلم الثاني عن عرشه في ١٩١٨. وندر أن ارتبطت أسرة بدولة هذا الارتباط الطويل الوثيق، أو كرست نفسها لرفاهية أمة وتوسيع رقعتها بهذه الغيرة والفعالية. وعلى عهد الناخب جون سجسموند (١٦٠٨ - ١٩) حصلت براندنبورج على دوقية كليف في الغرب ودوقية بروسيا الشرقية في الشرق، بحيث غدا