روما والتودد للكرادلة، فذهب وأثرى هناك، ولكنه هرع قافلاً إلى نابلي ١٦٤٦ ليشترك في ثورة مازانيللو. فلما فشلت عاد إلى روما، وصور كبار رجال الكنيسة، وكتب هجاءً ساخراً تهكم فيه بالترف الكنسي. ثم قبل دعوة الكردينال جانكارلو دي مديتشي ليذهب ويعيش معه في فلورنسة، وهناك مكث تسع سنوات، يرسم، ويعزف الموسيقى، ويقرض الشعر، ويشارك في التمثيليات. وحين عاد إلى روما ثانية، سكن بيتاً في التل البنسي، حيث عاش بوسان ولوران من قبل. وتقاطر عليه أقطاب الكنيسة، ليصورهم مغضين عن هجائياته، مؤثرين فرشاته على قلمه، وكان أحب الفنانين إلى الناس في إيطاليا طول عشر سنوات. وقد رسم صور القديسين والأساطير المألوفة، ولكنه في محفوراته استسلم لعطفه على الجنود المساكين والفلاحين المعذبين، وهذه المحفورات من أبدع آثاره.
ولم ينافسه في شهرته غير رجل من أهل نابلي، هو لوكا جوردانو. وكان فناناً وهو بعد في الثامنة، ثم رسم في كنيسة سانتا ماريا لانوفا ملاكين بلغ من الجمال والرشاقة مبلغاً جعل الحاكم يأخذه العجب حين رآهما، ويرسل للصبي بعض القطع الذهبية مع توصية لريبيرا. وظل يدرس على يد ذلك الأستاذ الغارق في تأملاته، ويدهش كل إنسان بسرعة نسخه للروائع وتقليده للأساليب. وتاق للذهاب إلى روما وفحص رسوم رفائيل الجصية المشهورة، ولكن أباه عارض في ذهابه، لأنه يرتزق من بيع صور لوكا ورسومه. ففر لوكا سراً، وسرعان ما أخذ ينسخ بحماسة في الفاتيكان، وفي كنيسة القديس بطرس، وفي قصر فارنيزي. وتبعه أبوه، وحصل على قوته هنا أيضاً ببيع صور ابنه العارضة، ويروي أن السر في تقليبه "فا-برستو" هو حث أبيه على السرعة.
فلما استوعب فن روما مضي إلى البندقية ورسم على طريقة تيشان وكوريدجو صوراً لا تكاد تختلف عن روائعهما. ولكنه رسم إلى ذلك صوراً أصيلة ظفرت بالاستحسان، وفي وسعنا الحكم عليها من لوحته "إنزال المسيح عن الصليب" المحفوظة بأكاديمية البندقية. ولما عاد إلى نابلي زخرف اثنتي عشرة كنيسة بكفاية وسرعة لم يجد معها منافسوه حيلة إلا أن يتسقطوا له الهنات. ثم دعاه كوزيمو الثالث إلى فلورنسة