ذلك أن الانحطاط كان سمة للعهد، فلم يشرفه أديب عظيم، ولم تعرض على مسرحه تمثيلية فذة. أما الجامعات فكانت تنزوي وسط الخراب والظلامية السائدين، ففي جامعة سلمنقة هبط عدد الطلاب في هذه الفترة من ٧. ٨٠٠ إلى ٢. ٠٧٦ (٦٤). وجاهد ديوان التفتيش وقائمة الكتب المحرمة بنجاح ليقصيا عن أسبانيا كل أدب يسيء إلى الكنيسة، وظلت أسبانيا طوال قرن توصد أبوابها كأنها صومعة عابد في وجه حركات الذهن الأوربي. وتربع الانحطاط بشخصه على عرش الملك رمزاً للعهد.
وبيان ذلك أن شارل الثاني أصبح ملكاً وهو بعد في الرابعة (١٦٦٥) وفي سني حداثته كانت أمه الملكة ماريانا تحكم البلاد اسماً، أما حاكمها الفعلي فكان كاهن اعترافها اليسوعي يوهانز ابرهارد نيذارد، ثم عشيقها فرناندو فالنزويلا. وتفاقمت الفوضى، وكانت الوزارة الكفء التي تولاها دون خوان نمساوي آخر، أقصر أجلاً من أن توقف الانحلال. وفي ١٦٧٧ تقلد الملك ذو الستة عشر عاماً الحكم وجلس عاجزاً على قمة هذا الصرح المنهار. ولعل التزاوج المتصل بين أفراده أسرة هابسبورج أسهم في ضعف بدنه وعقله. وكانت الذقن الهابسبورجية في شارل بارزة بروزاً أعجزه عن مضغ طعامه، ولسانه من الكبر بحيث لم يكد كلامه يفهم. وظل إلى العاشرة يعامل كأنه طفل يحمل بين الذراعين. وكان لا يكاد يستطيع القراءة، ولم يتلق من التعليم إلا القليل، وكان أعز ميراثه خرافات مذهبه وأساطيره. ويصف مؤرخ أسباني كبير بأنه "عليل، أبله شديد التعلق بالخرافات"، وكان "يعتقد أنه ممسوس، وكان ألعوبة لأطماع كل من أحاطوا به (٦٥) ". وقد تزوج مرتين، ولكن "كان من المعروف للجميع أنه لا يستطيع توقع الخلف (٦٦) ". هذا القصير الأعرج، المصروع، الخرف، المصلع تماماً قبل أن يبلغ الخامسة والثلاثين، كان دائماً على شفا الموت، ولكنه حير العالم المسيحي المرة بعد المرة ببقائه على قيد الحياة.
وأصبح تفكك أوصال أسبانيا الآن مأساة أوربية. فقد ازدادت الحكومة اقتراباً من الإفلاس برغم الضرائب والتضخم واستغلال المناجم