الأمريكية حتى عجزت عن دفع فوائد دينها، وحتى المائدة الملكية اضطرت إلى التقتير في خدمة الملك. أما البيروقراطية الإدارية التي قلت رواتبها فكانت فاسدة متراخية. واستبد الفقر بالناس حتى كانوا يقتتلون للحصول على الخبز، وسطت عصابات من الجياع على البيوت لتسرع وتقتل، وكان عشرون ألف شحاذ يجوبون شوارع مدريد. أما رجال الشرطة العاجزون عن الحصول على رواتبهم فقد تشتتوا وانضموا إلى المجرمين.
ووسط الفوضى والقلق والخراب واجه الملك المسكين، الكسيح، نصف المعتوه، الشاعر بدنو أجله، في حيرة وتذبذب، مشكلة الفصل في وراثة عرشه. وإذ كان سلطانه من الناحية النظرية مطلقاً، فإن سطراً واحداً بخطه كان يكفي للتوصية بإمبراطوريته التي تمتد رقعتها في أربع قارات، أما للنمسا وأما لفرنسا. وانتصرت أمه للنمسا، ولكن شارل كان يكره تآمرها كما يكره جشع زوجته الألمانية الخبيث. وذكره السفير الفرنسي بأنه ما دام صداق عروس لويس الرابع عشر الأسبانية لم يدفع بعد، فإن تنازلها عن الوراثة قد بطل، وكان لويس يلح مطالباً بحقوقها، ويملك القوة لفرض مطلبه. فلو أن شارل داس هذه الحقوق لاشتعلت أوربا بنيران الحرب، وربما تمزقت أسبانيا إرباً في هذا الصراع. وانهار شارل تحت وطأة اتخاذ القرار، وبكى واشتكى من أن ساحرة قد ابتلته بخطوب لا قبل له بتحملها. وبينما كان يستمع إلى الحجج التي زادته اختلاطاً حاصر مثيرو الشغب قصره صائحين في طلب الخبز.
وفي سبتمبر ١٧٠٠ لزم شارل فراش الموت وكسب الحزب الفرنسي، وهو أحد الأحزاب التي أحاطت به، رئيس أساقفة طليطلة-وكان كبير أساقفة أسبانيا-إلى صفه، وقد لازم الملك المحتضر ليل نهار، وذكره بأن لويس الرابع عشر وحده يملك من القوة ما يتيح له الحفاظ على الإمبراطورية الأسبانية سليمة واستخدامها معقلاً للكنيسة