حركة الإصلاح البروتستنتي لم تكن قد خففت من تلك الكراهية التي أحس بها المسيحيون نحو شعب غريب لم يستطع أن يقبل المسيح على أنه ابن الله، بل زادتها حدة. ففي فرانكفورت حرم على اليهود أن يبرحوا حيهم إلا لأمر عاجل، ولم يكن مباحاً لهم استضافة زوار من خارج المدينة دون علم القضاة، وكان عليهم أن يضعوا على ملابسهم شعاراً أو لوناً خاصاً، وأن تحمل بيوتهم علامات مميزة كثيراً ما كانت غريبة قبيحة المنظر. وقد اشترت رشوة موظفي المدينة أحياناً الإعفاءات من هذه القيود المذلة، ولكن عداء أفراد الشعب البسطاء كان خطراً دائماً يتهدد حياة اليهود وممتلكاتهم. مثال ذلك ما حدث في سبتمبر ١٦١٤ حين اقتحم جمع مسيحي باب حي اليهود بينما كانت كان معظم يهود فرانكفورت يقيمون الصلاة، وبعد أن استمتعوا بليلة من النهب والتدمير، أجبروا ١. ٣٨٠ يهودياً على مبارحة المدينة دون أن يحملوا من المتاع إلا ما على أجسادهم من ثياب. وأطعمت عدة أسر مسيحية اللاجئين وآوتهم، وألزم رئيس أساقفة مينز بلدية فرانكفورت بردهم لبيوتهم، وتعويضهم عن خسائرهم، وشنق زعيم الغوغاء (٣٧). وبعد سنة قامت حركة ممثلة في فورمز، فطردت اليهود من المدينة وانتهكت حرمة مجامعهم ومدافنهم، ولكن رئيس أساقفة فورمز وأمير هسي-دار مشتات قدماً الملجأ للمنفيين، وبسط عليهم ناخب بالاتين حمايته في رجوعهم. ويمكن القول عموماً أن كبار الأكليروس وأفراد الطبقات العليا كانوا ميالين للتسامح، ولكن صغار الأكليروس وجماهير الشعب كان من السهل إثارتهم وإشعال نار الحقد في نفوسهم. وكانت القيود القديمة-حتى بعد تخفيفها-مسلطة أبداً فوق رءوس اليهود، واحتمالات الإهانة والأذى ماثلة في أي يوم. وكان بعض المسيحيين الغيورين يخطفون الأطفال من فوق صدور أمهاتهم ويعمدونهم بالإكراه (٣٨). حقاً لولا الجهل لما كان للتاريخ وجود.
وتركت حرب الثلاثين يهود ألمانيا في سلامة نسبية. فقد استغرق البروتستنت والكاثوليك في قتل بعضهم البعض استغراقاً كاد ينسيهم أن يقتلوا اليهود، حتى ولو كانوا أقرضوهم مالاً. وكان الإمبراطور فرديناند الأول قد فرض لوائح ثقيلة على يهود النمسا، وطردهم من بوهيميا (١٥٥٩)، ولكن فرديناند الثاني حماهم، وسمح لهم بأن