"التقليد السري" لمتصوفة اليهود في العصر الوسيط، الذين اعتقدوا أنهم وجدوا وحياً إلهياً مستتراً في رمزية الأعداد، والحروف، والألفاظ، ولا سيما في الحروف التي يتألف منها اسم يهوه الذي لا ينطق به. وكان العالم تلو العالم في الغيت يضل في هذه الأوهام، حتى لقد صرح أحدهم بأن من يهمل حكمة القبلانية السرية يستحق الحرم (٥٦). يقول أكبر المؤرخين اليهود المحدثين أنه في القرنين السادس عشر والسابع عشر "خنقت القبلانية الطفيلية حياة اليهود الدينية بجملتها. وكل الأحبار وقادة الجاليات اليهودية تقريباً … وقعوا في شراكها" من أمستردام إلى بولندة إلى فلسطين (٥٧).
وكان سند الحياة في نظر اليهود المشتتين على هذا النحو، والذين كثيراً ما كانوا معدمين مفترى عليهم، هو الإيمان بأنه في يوم قريب سيأتي المسيا الحقيقي لينتشلهم من وهدة تعاستهم وعارهم ويرفعهم إلى مكان القوة والمجد. ومن المؤسف أن نرى كيف كان دجال أو متعصب يظهر القرن بعد القرن فيقبله اليهود على أنه هذا المخلص الذي طال ارتقابهم له. ولقد رأينا في موضوع سابق من هذا الكتاب كيف أن داود روبيني العربي هلل له عبرانيو البحر المتوسط في ١٥٢٤ على أنه المسيا، مع أنه هو نفسه لم يدع هذا. وهاهو ذا يهودي من أزمير يدعى سبتاي زيفي، يظهر عام ١٦٤٨ ويزعم أنه الفادي الموعود.
لقد بدا هذا المختار، من الناحية الجسمية، اختياراً جديراً بالإعجاب. فهو رجل طويل القامة، حسن التكوين، مليح الوجه، له شعر الشاب الصفاردي ولحيته السوداوان (٥٨)"اجتذبته كتابات سليمان لوريا إلى القبلانية، فأخضع ذاته لنظام صارم من النسك أملاً في أن يصبح بهذا جديراً بالتقليد السري" في أكمل إعلانه. فأذل جسده، وأكثر من الاستحمام في البحر في جميع الفصول، وغالى في الاحتفاظ بنظافته حتى لقد احتفل أتباعه برائحة لحمه الزكية. ولم يشعر بميل للنساء، وقد تزوج في شبابه الباكر امتثالاً للعرف اليهودي، ولكن زوجته ما لبثت أن طلقته لفشله في أداء واجباته الزوجية. ثم تزوج ثانية، بنفس النتيجة. والتف الشبان من حوله، معجبين بصوته الرخيم وهو يرتل التراتيل القبلانية، متسائلين أليس هذا قديساً مبعوثاً من السماء. وكان أبوه أحد جماعة آمنت بقرب مجيء المسيا-