للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفضول في تشريح الإنسان، بدا أن الوظيفة تلو الوظيفة من وظائف الجسم تخضع لتفسير آلي بلغة الفيزياء والكيمياء. فلاح أن التنفس اتحاد بين التمدد، والتهوية، والانقباض، وأن وظائف اللعاب، والصفراء، والعصارة البنكرياسية، كيميائية لا خفاء فيها، وأن جان ألفونسو بوريللي قد استكمل (١٦٧٩) التحليل الآلي للحركة العضلية. واعتنق ستينو، الكاثوليكي الغيور، الرأي الآلي في العمليات الفسيولوجية، ورفض عبارات جالينوس الغامضة من أمثال "الأرواح الحيوانية" لأنه "مجرد ألفاظ لا تعني شيئاً". وبدا الآن مفهوم ديكارت للجسم على أنه آلة مبرراً كل التبرير.

ومع ذلك أحس معظم العلماء أن تلك الأجهزة البدنية ما هي إلا أدوات لمبدأ حيوي يتجاوز التحليل بلغة الكيمياء والفسيولوجيا. فعزا فرانسس جليسون، أحد مؤسسي الجمعية الملكية، للمادة الحية كلها "تهيجية" تتميز بها-وهي استهداف للإثارة-قال أنها لا توجد في المادة غير الحية. وكما أن نيوتن، بعد أن رد الكون إلى الآلية، عزا إلى الله الدفع المبدئي لآلة العالم، فكذلك افترض بوريللي في جسم الإنسان نفساً هي المصدر لكل حركة حيوانية، وذلك بعد أن فسر العمليات العضلية تفسيراً آلياً (٦٣). ورأى كلود بيرو، المعماري والطبيب، (١٦٨٠) أن الأفعال الفسيولوجية التي تبدو الآن آلية كانت من قبل إرادية، تهتدي بإرشاد نفس، ولكنها أصبحت آلية بفعل التكرار الكثير، وذلك أشبه بتكون العادات، بل ربما كان القلب ذاته خاضعاً لتحكم الإرادة فيما مضى (٦٤). وزعم جيورج شتال (١٧٠٢) أن التغيرات الكيميائية في النسيج الحي تختلف عن تلك التي ترى في المختبرات، لأن التغيرات الكيميائية-في زعمه-التي تعرو الحيوانات الحية تحكمها "حساسية حيوانية " anima sensitiva تنتشر في جميع أجزاء الجسم. والنفس كما يقول شتال تدير كل وظيفة فسيولوجية، حتى الهضم والتنفس، وهي تبني كل عضو، بل الجسم كله، بوصفه أداة للرغبة (٦٥). وخيل له أن الأمراض طرق تحاول بها النفس التخلص من عائق يعوق عملياتها، وسبق نظرية "سيكوسوماتية" (أي جسدية نفسها من نظريات القرن