وكان لوك، وبيبيس، وغيرهما من أصدقاء نيوتن قد فاوضوا حيناً للحصول له على منصب حكومي يخرجه من سجن حجرته ومختبره في كمبردج. وفي عام ١٦٩٥ أقنعوا اللورد هاليفاكس بأن يعرض عليه وظيفة أمين دار سك النقود. ولم تكن الوظيفة شرفية ولا صدقة، إذ أرادت الحكومة أن تفيد من علم نيوتن بالكيمياء والمعادن في ضرب عملة جديدة. ففي ١٦٩٥ انتقل إلى لندن، حيث عاش مع ابنة أخته كاترين بارتون، خليلة هاليفاكس (٥٢). وقد خيل إلى فولتير أن افتتان هاليفاكس ببنت الأخت هذه حمل هاليفاكس وهو وزير للخزانة على أن يعين نيوتن مديراً لدار سك النقود في ١٦٩٩ (٥٣)، ولكن هذه الشائعة لا تكاد تفسر استمرار نيوتن في شغل ذلك المنصب طوال الثمانية والعشرين عاماً الباقية له في أجله، وشغله على نحو حاز الرضاء العام.
وكان خليقاً بشيخوخته أن تكون سعيدة. فقد كرمته الدولة بوصفه أعظم العلماء الأحياء، ولم يحظ رجل من رجال العلم حتى وقتنا هذا بمثل ما حظي به من ثناء عريض. وقد انتخب رئيساً للجمعية الملكية عام ١٧٠٣، وظل ينتخب سنوياً بعد ذلك حتى وفاته. وفي عام ١٧٠٥ خلعت عليه الملكة آن لقب الفروسية. وحين ركب عربته مخترقاً شوارع لندن تفرس الناس برهبة في وجهه الوردي، وقد فاض جلالاً وطيبة تحت لمة من الشعر الأبيض. ولم يستطيعوا طوال الوقت أن يلحظوا أنه قد عرض بأكثر مما يتناسب مع طوله المتواضع. وكان يستمتع براتي طيب بلغ ١. ٢٠٠ جنيه في العام، وقد استثمر مدخراته بحكمة حتى أنه خلف عند وفاته ٣٢. ٠٠٠ جنيه (٥٤)، رغم سخائه في الهدايا والصدقات. وقد أفاق من خسارته في انهيار شركة "ساوث سي". على أنه كان منقلب المزاج، وأحياناً سريع الغضب سيئ الظن، كتوماً، ودائماً شديد التهيب رغم كبريائه (٥٥). كان يجب اعتزال الناس ولا يصنع الأدقاء بسهولة. وفي عام ١٧٠٠ عرض الزواج على أرملة غنية، ولكن العرض لم يسفر عن نتيجة، ولم يتزوج قط. وإذ كان عصبي المزاج. حساساً بشكل مرضي، فقد كان لا يطيق النقد إلا متألماً، ويغتاظ منه غيظاً شديداً، ويرد الصاع صاعين في الجدل. وكان يعرف قدر عمله وكفايته، ولكنه عاش عيشاً متواضعاً إلى أن أتاح له راتبه