ألا ما اسعد الانسان الذي لا تاريخ له! وقد ظلت بلاد الصين من ذلك العهد القديم إلى يومنا هذا تخرج فلاسفة.
فكما ان الهند أرقى بلاد العلم في الاديان، وعلم ما وراء الطبيعة، فكذلك الصين أرقاها في الفلسفة الانسانية غير الدينية، اذ لا يكاد يوجد في الادب الصيني كله كتاب ذو شأن في علم ما وراء الطبيعة غير تلك الوثيقة العجيبة التي يبدأ بها تاريخ التفكير الصيني المدون، وهي الوثيقة المعروفة بإسم إي- جنج، أو "كتاب التغيرات". وتقول الرواية المأثورة إن هذا الكتاب قد كتبه ون وانج، أحد مؤسسي أسرة جو في سجنه، وان أبسط مبادئه مستمدة من فوشي الذي عاش قبله بزمن طويل. وهم يقولون لنا ان هذا الامبراطور الاسطوري قد اخترع "الجوات" الثماني أو التثاليث الرمزية التي ترى علوم ما وراء الطبيعة عند الصينيين أنها تنطبق على قوانين الطبيعة وعناصرها. وهم يقولون أن كل واحد من هذه التثاليث يتألف من ثلاثة خطوط بعضها متصل ويمثل عنصر الذكورة أو اليانج وبعضها متقطع ويمثل عنصر الأنوثة أو الين.
وكذلك يمثل اليانج في هذه الثنائية الرمزية العنصر الايجابي الفعال، المنتج، السماوي عنصر الضوء والحرارة والحياة؛ على حين أن الين يمثل العنصر السلبي المنفعل، الأرضي، عنصر الظلمة والبرودة والموت وقد خلد ون يانج ذكره، وأتعب عقول آلاف الملايين من الصينيين بمضاعفة عدد الشرط في الخطوط المتصلة والمتقطعة، فرفع بذلك عدد تباديلها وتوافيقها إلى أربعة وستين كل منها يقابل قانونا من قوانين الطبيعة، ويحتوي على جميع العلوم والتاريخ. والحكمة جميعا تكمن في هذه الأربع والستين شَيْبَنْجَة- أو الآراء الممثلة تمثيلا رمزيا في التثليثات السالفة الذكر. والحقائق كلها يمكن ردها إلى تعارض واتحاد العاملين الأساسيين في الكون وهما عنصرا الذكورة والأنوثة أي اليانج والين.