أشبعت حاجته الأفلاطونية الحديثة والمتصوفون اليهود وجاكوب بوم. وتساءل "هل معرفة الأشياء هي حقاً أسمى مصدر لسعادة الإنسان، أي شيء آخر أعظم وأقدس، أو إذا افترضنا أنه كذلك، فهل تلتمس السعادة في التلهف والإقبال على قراءة الكتب، أو التأمل وإمعان النظر في الأشياء، أو في تطهير العقل من كل ألوان الرذيلة. أياً كانت (٩٤) ". وعقد العزم على تطهير نفسه من كل أنانية أو انشغال بأمور الدنيا، أو فضول عقلي. "فلما خمدت عندي هكذا هذه الرغبة الجامحة في معرفة الأشياء، ولم تتق نفسي إلا إلى هذه الطهارة والبساطة في العقل وحدها، أشرقت كل يوم بين جوانحي ثقة أعظم مما توقعت يوماً ما، حتى في الأشياء التي كنت أرغب أشد الرغبة في معرفتها من قبل (٩٥) ". ويقول هنري مور أنه مذ طهر نفسه جسماً وروحاً بهذا الشكل، فقد فاحت من جسمه في فصل الربيع رائحة زكية، وأن البول عنده كان له عبير البنفسج (٩٦).
ومذ تطهير هنري على هذا النحو، فقدا بدا أنه يحس بحقيقة الروح في نفسه على أنها أعظم اختبار ممكن إقناعاً للإنسان، ومن هذا الاقتناع انتقل على الفور إلى الاعتقاد بأن العالم معمور بأرواح أخرى على درجات تصاعدية، من أدناها إلى الله سبحانه وتعالى. وذهب إلى أن كل حركة في المادة هي من عمل نوع من الأرواح. وبدلاً من الحيز المادي الذي قال به هوبز، جاء هنري مور بكون روحاني ليست المادة فيه إلا وسيلة أو أداة للروح. وانتشرت بين آن وآخر هذه "الروح" المفعمة بالحيوية فيما وراء مستقرها، وإلا كيف يمكن بغير هذا تفسير المغناطيسية والكهرباء والجاذبية؟ وتابع مور بحثه، وارتضى فكرة وجود الشياطين والسحرة والأشباح. وكان رجلاً لطيفاً غير أناني، رفض كل المناصب الرفيعة الدنيوية التي عرضت عليه، وظل على علاقته الودية بهوبز الذي يدين بالمادية، والذي قال أنه إذا وجد يوماً أن آراءه الخاصة يتعذر الدفاع عنها فإنها "لا بد أن يعتنق فلسفة الدكتور مور (٩٧) ".
أما رالف كودورث، أعلم الأفلاطونيين في كمبردج، فإنه أخذ على عاتقه أن يثبت أن آراء هوبز هشة يسهل دحضها. إن رسالة "الجهاز العقلي الحقيقي للكون"(١٣٧٨) تحدث هوبز أن يفسر لماذا، بالإضافة إلى مختلف الحركات الحسية والعضلية التي اختزل إليها كل عمليات