الذهن، هناك أيضاً، في أحوال كثيرة، إدراك لهذه الحركات، وكيف تجد أي فلسفة مادية مجالاً أو وظيفة للوعي أو الشعور؟ وإذا كان كل شيء مادة متحركة، فلماذا لا يخدم الجهاز العصبي كل شيء عن طريق الإحساس والاستجابة، كما هو الحال في الأفعال المنعكسة اللاإرادية، ولا يزعجه الشعور الزائد أو غير الضروري؟ كيف يمكن أن ننكر حقيقة الشعور وواقعه-بل أولويته وأهميته-وهو الذي لا يتسنى بدونه معرفة أية حقيقية كانت؟ ليست المعرفة وعاء سلبياً غير فعال للأحاسيس، إنها تحول نشيط فعال للأحاسيس إلى أفكار (٩٨). وهنا في كلام كودورث نرى أنه يستبق بزمن طويل، رد باكلي وكانت على هوبز وهيوم.
ولم يكن جوزيف جلانفيل، كاهن شارل الثاني، من الناحية الجغرافية، واحداً من الأفلاطونيين في كمبردج، ولكنه أتفق معهم اتفاقاً قوياً. وفي "غرور الدوجماتية"(التمسك برأي دون دليل كاف) ١٣٦٦١ ألصق جوزيف جريمة الدوجماتية بالعلم والفلسفة، محتجاً بأنهما أقاماً نظماً تتسم بالتكلف والمبالغة الحمقاء لوضع النظريات والمبادئ، على أسس مزعزعة غير آمنة. وعلى هذا فإن فكرة العلة أو السبب (التي ظنها جلانفيل أساسية لا غنى عنها للعلوم) افتراض غير معقول ولا مبرر له. فنحن نعرف التعاقبات والعلاقات والمناسبات، ولكن ليست لنا أي فكرة عما هو الحال في شيء يحدث أثراً في نفسه أو في شيء آخر (هاجس آخر لهيوم). ويقول جلانفيل: تصور مدى جهلنا بالأشياء الأساسية جداً-طبيعة النفس ونشأتها، وعلاقتها بالجسم "كيف يتحد الفكر مع كومة من الطين؟ إن تجمد الكلمات في المناطق الشمالية، وحدوث هذا الاتحاد العجيب، أمران لا يمكن تخيلهما أو تصديقهما، سواء بسواء. إن تعليق بعض الأثقال في أجنحة الريح يبدو أمراً أيسر كثير أن يدركه العقل (٩٩) ". واستبق جلانفيل بيرجسون في أنه يسم العقل بأنه ذو بنية مادية ألف التعامل مع المادة إلى حد فقدان القدرة على التفكير في حقائق أخرى لا "بالرجوع إلى الصور المادية (١٠٠) ". إلى أي حد نجد حواسنا عرضة للخطأ: إنها تظهر الأرض وكأنما هي ساكنة في الفضاء، على حين يؤكد لنا العلماء المحدثون أنها مشوشة الذهن بمجموعة مختلفة من الحركات المتزامنة. وحتى من افتراض أن حواسنا قد خدعتنا، فما أكثر