الوصول إلى حل قريب لهذه الشكوك … خطر ببالي أننا نهجنا نهجاً خاطئاً. وأننا قبل أن نشرع في التحقيق في طبيعة هذا الموضوع، كان لزاماً علينا أن نختبر قدراتنا نحن، ونرى أن "الموضوعات" تصلح، أو لا تصلح أفهامنا لمعالجتها، وعرضت هذا على الرفاق الذين وافقوا جميعاً من فورهم، ومن ثم اتفقنا على أن يكون هذا أول ما نبحث فيه. وكانت بعض الأفكار السريعة المهوشة التي عرضتها في اجتماعنا التالي، هي المدخل الأول لهذا المبحث (١٢٧).
ومن الواضح أن الذي حفز لوك إلى كتابة "مقال عن العقل الإنساني" هو الخلاف الذي نشب بين الأفلاطونيين في كمبردج من الذين حذوا هنا حذو الفلاسفة السكولاسيين- في أننا نستمد أفكارنا من الله ومن المثل الأخلاقية العليا، لا من التجربة والخبرة، بل من الاستبطان، وأن هذه الأفكار فطرية أصيلة فينا، وجزء من جهازنا العقلي، مهما كنا غير واعين عند الولادة. وهذه الفكرة، لا بيانات ديكارت الثانوية عن "الأفكار الفطرية"، هي التي أدت بلوك إلى النظر في مسألة هل هناك أية أفكار لم تكن وليدة تأثيرات العالم الخارجي (١٢٨). وخلص لوك إلى القول بأن كل المعرفة بما في ذلك أفكارنا عن الله وعن الصواب والخطأ مستمدة من الخبرة، وليست جزءاً من التركيب الفطري للعقل. وعرف أنه في محاولته للبرهنة على هذه النظرية التجريبية قد يسئ إلى كثير من معاصريه الذين أحسوا بأن الأخلاق تتطلب مساندة الدين لها، وأن الأخلاق والدين كليهما ينهار ويضعف إذا نبعت أفكارها الأساسية من منبع أقل شرفاً من الله سبحانه وتعالى. وطلب إلى قرائه أن يتجملوا بشيء من الصبر معه، أما هو من جانبه فقد كان قاب قوسين أو أدنى من منزلق المناقشة الخطيرة، في روح من الشك المتواضع. "أنا لا أزعم أني ألقي درساً، بل أنا أسأل (١٢٩) ". وفي إيجاز، اعترف بأنه كان "كسولاً مشغولاً إلى حد بالغ (١٣٠) ".
ولكنه على الأقل استطاع أن يحدد مصطلحاته، وهو يعترض على "الغموض المتكلف عند بعض الفلاسفة (١٣١) ". إن معرفتنا الدقيقة بما تدل عليه وتعنيه ألفاظنا قد ينهي .... النزاع … في كثير من