للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهو يميل إلى أن يجوز توارد الخواطر في أنها طرق سيكولوجية. وكان ديكارت فقد ذهب إلى أن فكرة الله فطرية أصيلة فينا، ولكن لوك ينكر هذا الرأي. فإن بعض القبائل وجدت دون أن تكون لديها فكرة عدالة، كما إن بعض الذين يعتنقونها تتباين لديهم المفاهيم أو الصور عن الآلهة إلى حد يكون معه من الحكمة أن نرفض فكرة "نشوئها بالفطرة أو بالسليقة"، وأن نبني إيماننا بالله على "لآيات البينات على كمال حكمته وقدرته … فيما خلق وأبدع (١٣٧) "- أعني الخبرة. وبالمثل ليس هناك "مبادئ عملية فطرية"- ليس هناك مفاهيم فطرية عما هو صواب وما هو خطأ. فالتاريخ يوضح لنا مجموعة متباينة، عظيمة أحياناً متناقضة أحياناً أخرى، من الأحكام الخلقية، مما لا يمكن معه اعتبارها جزءاً من التراث الطبيعي للإنسان، بل هي تراث اجتماعي يختلف من مكان إلى مكان، ومن زمان إلى زمان (١٣٨).

وبعد أن تخلى لوك عن "الأفكار الفطرية" جاء ليتساءل: كيف تولد أو تنشأ الأفكار؟ "فلنفترض أن العقل (عند الولادة)، كما يمكن أن يقال، صفحة بيضاء خالية من أي رسم أو نقش، ومن أية أفكار، فكيف يتأتى تزويده؟ .... وعلى هذا السؤال نجيب بكلمة واحدة، من الخبرة، وعليها تبنى كل المعرفة، ومنها تستمد في النهاية (١٣٩) ". فكل الأفكار مستمدة أما من الإحساس والانعكاس على نتاج إحساسنا. والأحاسيس كلها مادية، ونتائجها العقلية هي الإدراك الحسي، وهو "أولى مواهب العقل" (١٤٠).

ولم يجد لوك سبباً للارتياب في إمكان حصولنا على معرفة حقيقية صحيحة عن العالم الخارجي، ولكنه قبل الرأي الذي أستقر منذ أمد طويل، ألا وهو التمييز بين الصفات الأولية والصفات الثانوية للأشياء المدركة. أما الصفات الأولية "وهي التي لا يمكن فصلها عن الجسم إطلاقاً، في أية حالة مهما كانت" مثل: الصلابة، الامتداد، الشكل، العدد، والحركة أو السكون. أما الصفات الثانوية "فليست شيئاً في هذه الأشياء نفسها، بل مجرد قوى تحدث فينا إحساسات متعددة بصفاتها الأولية". فالألوان والأصوات والطعوم والروائح صفات ثانوية تحدث فينا بكتلة هذه الأشياء وشكلها ونسيجها أو حركتها. أما الأشياء نفسها فليس لها لون ولا وزن ولا طعم ولا رائحة ولا صوت ولا حرارة. وكان هذا