التمييز قد ظهر منذ البرتوس ماجنوس وتوما الأكويني (القرن ١٣)، وقد قبله ديكارت وجاليليو وهوبز وبويل ونيوتن، ولكن عرض لوك لفكرة التمييز هذه وتوكيده لها هيأ لها انتشاراً واسعاً من جديد. فقد تصور العلم الآن أن العالم الخارجي محايد صامت غير متحيز، فقدت أزهاره وثماره عطرها ونكهتها. وربما هبط هذا المفهوم بالشعر إلى الشعر المنثور في "العصر الأوجستي"- أوائل القرن الثامن عشر في إنجلترا، عهد الملكة آن، ولكنه اكتشف في آخر الأمر أن الصفات المحسة حقيقة مثل الأجسام نفسها، وثارت الرومانسية لنفسها من الكلاسيكية حيث جعلت المشاعر أسمى حقيقة.
وأدى تحليل الشيء أو الجسم إلى صفات، على هذا النحو، إلى هذا السؤال: ما هو الجوهر الذي يبدو أن الصفات الأولية تلازمه باعتبارها جزءاً منه؟ وأعترف لوك بأننا لا نعرف من هذا الجوهر الخفي الغامض شيئاً إلا صفاته، فإذا نزعت هذه الصفات فإن الجوهر- أي الأساس الضمني أو المفهوم ضمنا لهذه الصفات- يفقد كل معنى له، وظاهراً أيضاً أنه يفقد وجوده (١٤١). وهنا يتدخل باركلي: إذا كنا لا نعرف إلا صفات الأشياء أو الأجسام، ونعرف أن هذه الصفات هي مجرد أفكار، فكل الحقيقة اذن إدراك حسي، وعندئذ يصبح لوك، بطل التجريبية العظيم- الخبرة هي مصدر كل المعرفة- يصبح مثالياً يحيل المادة إلى فكرة: أضف إلى ذلك أن "العقل" افتراضي مثل الجوهر أو الجسم أو المادة تماماً. وفي فقرة مشهورة يتجاوز لزك باركلي ويسبق هيوم:
ونفس الشيء يحدث فيما يتعلق بعمليات الذهن، مثل التفكير والاستنتاج والخوف وغيرهما، التي لا نخلص إلى القول بأنها توجد من نفسها ولا نعي كيف تتبع الجسم أو كيف يمكن أن يحدثها الجسم، ولكنا نميل إلى الظن بأنها نشاط جوهر ما نسميه الروح، بواسطتها، ولو أنه من الواضح أنه ليس لدينا فكرة أو مفهوم آخر من المادة إلا أنها شيء توجد هذه الصفات المحسوسة التي تؤثر على حواسنا، فأنه كذلك بافتراض جوهر فيه التفكير والمعرفة والشك والقدرة على الحركة وغيرها، فيكون لدينا فكرة واضحة عن الروح كما هو الحال بالنسبة للجسم: الأولى يفترض (دون أن نعرف