ماهيتها)، إنها جوهر لتلك الأفكار البسيطة التي نستمدها من الخارج، والآخر يفترض (مع نفس القدر من الجهل بماهيته) أنه جوهر لهذه العمليات التي نمارسها في داخل أنفسنا (١٤٢).
وحيث أقر حينئذ "بأن فكرتنا عن الجوهر غامضة، أو ليس لدينا فكرة إطلاقا عنه في "العالمين" (الخارجي والداخلي) كليهما، وأن الأمر لا يعدو" أن يكون افتراض الجهل بما يدعم هذه الأفكار التي نسميها أحداثاً، فإن لوك يخلص إلى أنه في كلتا الحالتين يسوغ لنا الاعتقاد بوجود جوهر، على الرغم من أننا لا يمكن أن نعرفه: في مادة وراء الصفات المحسوسة أو أنها تبعثها، وفي عقل وراء الأفكار أو يحتويها- عامل روحي يؤدي مختلف عمليات الإدراك والتفكير والشعور والإرادة (١٤٣).
ومهما يكن من أمر العقل، فإن عملياته كلها من نوع واحد- حركة الأفكار أو نشاطها. ويرفض لوك فكرة السكولاسية عن "المواهب" في العقل، مثل التفكير والشعور والإرادة. فالتفكير هو اتحاد الأفكار أو الجمع بينها، والشعور هو ترجيح فكرة سيكولوجية أو صداها، والإرادة فكرة تنطلق إلى العمل أو التصرف، مثلما تنزع كل الأفكار إلى العمل إلا إذا عوقتها فكرة أخرى (١). ولكن كيف يمكن أن تصبح العملية "الروحية" عملية فسيولوجية وحركة مادية؟ إن لوك يقبل كارهاً ثنائية الجسم المادي والعقل غير المادي، ولكنه في فترة من فترات الطيش يوحي بأن العقل يمكن أن يكون شكلاً من "المادة". وهناك في هذا الصدد عبارة مأثورة عن لوك:
من الممكن أنه لن يكون في مقدورنا أبداً أن نعرف أن مجرد كائن مادي يفكر أو لا يفكر، وحيث أنه يستحيل علينا، بالتأمل في أفكارنا نحن، دون وحي أو إلهام، أن
(١) في الطبعة الأولى من مقال العقل الإنساني لم يسلم لوك بوجود "إرادة حرة" إلا في حالة التحرر من أي قيد أو كبت خارجي. وفي الطبعات الأخيرة عدل عن هذه "الجبرية" ليجيز القول بأن العقل يمكن أن يؤجل أو يوقف مؤقتاً تنفيذ رغباته أو إشباعها (١٤٤).