نكتشف هل زودت القدرة الإلهية بعض أنواع المادة المالية بطبعها، بالقدرة على الإدراك والتفكير، أو أنها (أي القدرة الإلهية) ضمت إلى المادة الميالة على هذا النحو، أو ثبتت فيها جوهراً مفكراً غير مادي، فإنه بالنسبة لأفكارنا، ليس يبعد عن الفهم أن ندرك أن الله قادر إذا شاء أن يضيف إلى المادة "موهبة للتفكير"، أكثر من أنه سبحانه وتعالى يمكن أن يضيف إليها جوهراً آخر فيه موهبة للتفكير .. إن من يرى كيف أنه من الصعب، في أفكارنا، توافق الإحساس مع المادة الممتدة، أو توافق الوجود مع شيء ليس له امتداد إطلاقاً، سوف يقر ويعترف بأنه بعيد كل البعد عن معرفة ماهية نفسه على وجه اليقين … وهذا الذي يطلق لنفسه العنان ليتأمل في حرية … يندر أن يجد في عقله القدرة على تحديد موقفه تحديداً تاماً من "مادية النفس" سلباً أو إيجابياً (١٤٥).
وعلى الرغم من أن لوك كان قد تغلب بالفعل على الجانب المادي من المعضلة، فإن الإيحاء باحتمال صدقه أو حقيقته، بالنسبة لتيار الفكر في ذاك العصر، أساء إلى الدين القويم إلى حد أن مائة من المدافعين عن الديانة هاجموه بتهمة أنه أيد "في طيش وتهور" آراء الملحدين. ولم يلقوا بالاً لاحترامه وإجلاله للوحي، ولبيانه القديم "أن الرأي الأرجح والأكثر احتمالاً هو ان الشعور مرتبط بجوهر فرد غير مادي، وهو حب هذا الجوهر والتعلق به (١٤٦) "، وربما تنبأ هؤلاء المدافعون بأن لامتري وهولباخ وديدرو وغيرهم من فلاسفة المادية قد يرون في كلام لوك نزوعاً خفياً إلى وجهة نظرهم .. واتهمه الأسقف ستللنجفليت بمثل هذه النزعة المادية على وجه التحديد، وأنذره بأنها تعرض اللاهوت المسيحي كله للخطر. وتناسى لوك حرصه العهود، وأكد من جديد وبقوة، احتمال صدق الفرضية المادية وظل على خلاف بشأنها مع ستللنجفليت وغيره حتى ١٦٩٧.
على أن مقال "العقل الإنساني "على الرغم من نقاده وما فيه من تناقضات وغموض وإبهام، وغير ذلك من الأخطاء، تزايدت قيمته وأهميته وأثره عاماً بعد عام. وتهافت الناس على طبعاته الأربع في