ونبعث رسالة الرؤية من قطعة لجون لوك يروي فيها كيف أن وليم مولينكس (مدرس في كلية ترنتي، دبلن) أثار أمامه مسألة: هل يستطيع إنسان ولد أعمى، أن يميز بعد استرداد بصره، بالبصر وحده، بين جسم كروي وآخر مكعب إذا كان كلاهما من نفس المادة وفي نفس الحجم. واتفق رأي مولينكس ولوك سلباً. واتفق باركلي معهما وأضاف تحليله الخاص. إن البصر لا يهيئ لنا إدراكاً حسياً للبعد والحجم والمواقع أو الحركات النسبية للأجسام، إلا بعد التصحيحات التي تجريها حاسة اللمس، وعن طريق التجارب المتكررة يصبح هذا التصحيح لحظياً تقريباً، وعندئذ يزودنا البصر بمثل هذا الحكم على شكل الأجسام المرئية وبعدها ومكانها وحركتها، كما لو أننا لمسناها:
إن الإنسان الذي ولد أعمى، ثم أعيد إليه بصره، لن يكون لديه في أول الأمر فكرة عن البعد عن طريق البصر فإن الشمس والنجوم، وأبعد الأجسام وأقربها على حد سواء، تبدو في عينه، بل في عقله، فالأجسام التي تدخل عن طريق البصر، لا تبدو له (كما هي في الحقيقة) إلا مجرد طائفة جديدة من الأفكار والأحاسيس، كل منها قريب الإحساس بالألم واللذة أو أشد الأحاسيس الداخلية في النفس .. أما حكمنا على الأجسام المدركة بالبصر، على أي بعد، أو بدون العقل، فإنه حكم مبني تماماً على التجربة (١٨٠).
فالفضاء حينئذ تركيب عقلي، إنه أسلوب للعلاقات التي تبنى عن طريق الخبرة للتوفيق بين مدركاتنا بالبصر وباللمس. وأكدت العمليات التي وردت في تقارير الجمعية الملكية (١٧٠٩ - ١٧٢٨) وجهة النظر هذه: فإن فرداً مولوداً أعمى، أعيد إليه بصره عن طريق جراحة أجريت له، كان في أول الأمر "أبعد ما يكون عن الحكم على الأبعاد، إلى حد أنه ظن أن كل الأجسام أياً كانت لمست عينيه … ولم يدرك شكل أي شيء، ولم يميز بين الأشياء، مهما اختلفت في الشكل أو الحجم (١٨١) ".
وكان كتاب "أصول المعرفة الإنسانية" نتاجاً رائعاً جديراً بالذكر