من معنيين، منكراً حراً يحيا حياة خليعة مطلقة من كل قيد. وانضم في باريس إلى جماعة دأبت على الصخب والعربدة وتدنيس المقدسات، وذاع صيته في المبارزة. وخد في الجيش، وأقعدته جراحة لبعض الوقت من العمل. ثم انصرف عن الملذات الجنسية إلى فلسفة. وكتب أول رواية فلسفية فرنسية، وفتح الطريق أمام سويفت بالسخرية من بني الإنسان في رحلات إلى أجزاء من العالم لم تطأها قدم. وسخر من القديسين أوغسطين الوقور "الشخصية العظيمة" الذي يؤكد لنا، على الرغم من أن الروح القدس أنار جوانب عقله، أن الأرض كانت على عهد مسطحة مثل التنور، عائمة على الماء مثل نصف برتقالة (٦).
وجرب سيرانو قلمه في كل ألوان الأدب تقريباً، وقلما كان يأخذ أي لون مأخذ الجد، ولكنه كان عادة يضرب على الوتر الحساس-وبدت ملهاته "المتحذلق اللعوب" في نظر موليير صالحة لأن يسرق منها مشهداً أو مشهدين، أما مأساته "موت أوجربين" فقد مثلت مرة في ١٦٤٠، حتى تصل خشبة المسرح ثانية في ١٦٦٠، ولكنها نشرت في ١٦٥٤، وسرعان ما تغنى شباب باريس الطائش المتهور بأبيات الإلحاد التي وردت على لسان سيجان:
"ماذا يكون هؤلاء الأرباب إذن؟ نتاج مخاوفنا وهرائنا التافه، نعيها دون أن ندرك لهذا سبباً .... أرباب لم يصنعهم إنسان، ولم يصنعوا هم إنساناً قط". ثم الأبيات تتحدث عن الخلود:"بعد ساعة واحدة من الموت تعود نفوسنا التي زالت من الوجود، سيرتها قبل الخروج إلى الحياة بساعة".
وبعد طبع هذه الرواية سرعان ما سقطت على أم رأسه عارضة أودت بحياته وهو في سن السادسة والثلاثين، وترك وراءه مخطوطة طبعت في جزأين تحت عنوان "التاريخ الهزلي لدول وإمبراطوريات القمر"(١٦٥٧)"والتاريخ الهزلي لدول وإمبراطوريات الشمس"(١٦٦٢)، وكانتا نوعاً من القصص العلمي، المبني على "كونيات" ديكارت، مستمداً الكواكب من دواماتها التي كونتها الإهاجة الثورية