في المادة البدائية. وذهب سيرانو إلى أن الكواكب كانت يوماً متوهجة مثل الشمس ولكن،
بمرور الزمن فقدت كثيراً من ضوئها وحرارتها بفعل الانبعاث المستمر لخلاياها التي تحدث مثل هذه الظاهرة، حتى أصبحت باردة معتمة، ولباباً واهناً تقريباً. إننا نرى حتى البقع الشمسية يكبر حجمها يوماً بعد يوماً. وما يدرينا الآن أن هذه البقع ليست إلا قشرة على سطح الشمس كتلتها التي تبرد تبعاً لفقدان الضوء، أن الشمس لن تصبح كرة معتمة مثل الأرض (٧)؟
ودفعته الصواريخ فغادر الأرض حتى وصل بسرعة إلى القمر. ولحظ أنه طيلة ثلاثة أرباع المسافة، كان يحس بأن الأرض تشده إلى الوراء، وفي المربع الأخير أحس بجاذبية القمر. "فقلت في نفسي أن هذا راجع إلى أن كتلة القمر أصغر من كتلة الأرض، ومن ثم يكون محيط تأثيره أصغر من حيث المسافة (٨). وعندما هبط وقد أصابه الدوار، وجد نفسه في جنة عدن، ويدخل في مناقشة مع الياهو (الله) حول الخطيئة الأولى، فيطرد من الجنة إلى القفاز البدائية في القمر. وهناك يواجه قبيلة من الحيوان طول الواحد منها تسعة أذرع، في زي الرجال، ولكنها تمشي إلى أربع. ولما كان أحدهم الروح الحارسة لسقراط أو شيطانه في أثينا من قبل، فإنه تحدث بلغة يونانية فلسفية، ويقول لسيرانو أن المشي على أربع هو الطريقة الطبيعية الصحية، وأن هؤلاء السادة القمريين لديهم مائة حاسة لا خمساً أو ستاً فقط، وأنهم يدركون من الحقائق ما لا يحصى ولا يعد، مما يخفى على بني البشر (وقد تلاعب فونتيا وفولتير وديدرو بهذه الأفكار). ويجمح خيال سيرانو: أن هؤلاء القمريين-يتغذون على الأبخرة التي تتصاعد من الأطعمة لا على الأطعمة ذاتها، ومن ثم يتخلصون من متاعب الهضم ومضايقاته، ومن مهانة خروج الفضلات من الجسم ومفارقاته. وقوانين القمر يسنها الشبان الذين يجلهم ويحترمهم الشيوخ، وأهل القمر هؤلاء يستنكرون العزوبة والتبتل والعفة، ويمتدحون الانتحار وإحراق جثث الموتى والأنوف الكبيرة. ويوضح شيطان سقراط سالف الذكر أن الدنيا لم تخلق، بل