لا يتحدثون عن الصلاح بقدر ما يتحدثون عن الحكمة. فليس الرجل المثالي في نظر الصينيين هو التقي العابد، بل هو صاحب العقل الناضج الهادئ، الذي يعيش عيشة البساطة والسكون وان كان خليقا بأن يشغل مكانا ساميا في العالم. ذلك أن السكون هو بداية الحكمة، والحكيم لا يتكلم حتى على الدو والحكمة، لأن الحكمة لا تنقل الا بالقدوة والتجربة لا بالألفاظ؛ والذي يعرف) الطريقة (لا يتحدث عنها؛ والذي يتحدث عنها لا يعرفها؛ والذي) يعرفها (يقفل فاه ويسد أبواب خياشيمه"، والحكيم شيمته التواضع، لأن الانسان متى بلغ الخمسين من عمره (١) فقد آن له أن يدرك أن المعرفة شيء نسبي، وأن الحكمة شيء ضعيف سهل العطب؛ واذا عرف الحكيم أكثر مما يعرف غيره من الناس حاول أن يخفي ما يعرفه "فهو يحاول أن يقلل من سناه ولألائه ويوائم بين سناه وقتام) غيره (؛ وهو يتفق مع السذج أكثر مما يتفق مع العلماء، ولا يألم من غريزة المعارضة التي هي غريزة طبيعية في الأحداث المبتدئين. وهو لا يعبأ بالثروة أو السلطان، بل يخضع شهواته إلى الحد الادنى الذي يكاد يتفق مع العقيدة البوذية:
"ليس لشيء عندي قيمة، وأشتهي أن يخضع قلبي خضوعا تاما، وأن يفرغ حتى لا يبقى فيه شيء قط .. يجب أن يبلغ الفراغ أقصى درجاته، وأن يحاط السكون بقوة لا تمل .. ومن كانت هذه صفاته لا يمكن أن يعامل بجفاء أو في غير كلفة. وهو أكبر من أن يتأثر بالمكاسب أو الاذى وبالنبل أو الانحطاط وهو أنبل انسان تحت قبة السماء"(٥٠).
(١) يعتقد الصينيون أن الحكيم تنضج قواه حوالي الخمسين من عمره، وأنه يعيش في هدوء منطوياً على حكمته مائة عاما كاملة