للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولسنا نرى حاجة لبيان ما في هذه الآراء من اتفاق مع آراء جان جاك روسو وحسبنا أن نقول ان الرجلين قد صبا في قالب واحد مهما يكن بعد ما بينهما من الزمن، وان فلسفتهما من نوع الفلسفة التي تظهر وتختفي ثم تعود إلى الظهور في فترات دورية؛ ذلك بأن الناس في كل جيل يملون ما في حياة المدن من كفاح وقسوة وتعقيد وتسابق، فيكتبون عن مباهج الحياة الريفية الرتيبة كتابة تستند إلى الخيال أكثر مما تستند إلى العلم بحقائق الامور. وما من شك في أن المرء لا بد له من خبرة سابقة طويلة بحياة المدن اذا شاء أن يكتب شعرا عن الريف "والطبيعة" لفظ طيع سهل على لسان كل باحث في الاخلاق أو الدين؛ وهو لا يوائم علم دارون ولا أخلاقية نتشة أكثر مما يوائم فلسفة "لو- دزه" والمسيح المتعقلة الحلوة.

ذلك أن الانسان اذا ما سار على سنن الطبيعة أدى به هذا إلى قتل أعدائه وأكل لحومهم لا إلى ممارسة الفلسفة، وقلّ أن يكون وضيعا ذليلا، وأقل من هذا أن يكون هادئا ساكنا. بل ان فلح الارض- وهو العمل الشاق المؤلم- لا يوائم قط ذلك الجنس من الناس الذي اعتاد الصيد والقتل؛ ولهذا كانت الزراعة من الاعمال "غير الطبيعية" مثلها في هذا كمثل الصناعة سواء بسواء.

على أن في هذه الفلسفة رغم هذا كله شيئا من السلوى وراحة البال. وأكبر ظننا أننا نحن أيضا حين تبدأ نيران عواطفنا في الخمود سنرى فيها غير قليل من الحكمة؛ وسنرى فيها السلم المريح الذي ينبعث من الجبال غير المزدحمة ومن الحقول الرحبة. ان الحياة تتأرجح بين فلتير وروسو، وبين كنفوشيوس ولو- دزه، وبين سقراط والمسيح.

واذا ما استقرت كل فكرة زمنا ما في عقولنا، ودافعنا عنها دفاعا ليس فيه شئ من البسالة أو من الحكمة، مللنا نحن أيضا تلك المعركة وتركنا إلى الشباب ما كان قد تجمع لدينا من مثل عليا تناقص عديدها. فاذا ما حدث هذا لجأنا إلى