ووضع هذه الرسالة جانباً انتظاراً لوقت أكثر أمناً واطمئناناً. وأمسك بالقرطاس واستعار عنواناً من لوشيان، ونشر في يناير ١٦٨٣ كتاباً صغيراً أسماه "محاورات الموتى". واكتسب هذه المناقشات الخيالية بين مشاهير الموتى شعبية إلى حد اشتد معه الطلب على طبعة ثانية في مارس، وثالثة وشيكاً بعدها. وامتدحها بيل في صحيفته "الأخبار"، وقبل أن ينصرم العام، ترجمت الرسالة إلى الإيطالية والإنجليزية، وذاع صيت فونتنيل وهو في سن السادسة والعشرين، في كل أوربا، وكانت الرسالة ميسرة في متناول الجميع في عالم يعج بالرقباء، وكادت كل فكرة يعبر عنها أحد المتكلمين، يدحضها آخر ويبرأ منه المؤلف، وكان فونتنيل على أية حال أميل إلى الدعاية منه إلى الهرطقة. وكانت الأفكار التي ناقشها معتدلة، ولم تمس أي كاهن بسوء. فإن ميلو لاعب كروتونا الرياضي النباتي يتباهى بأنه قد حمل ثوراً على كتفيه في الألعاب الأولمبية، فيعيره سمنديريد من سيباريس المجاورة-بأنه ينمي عضلاته على حساب عقله، ولكن السسياريثي يعترف بأن الحياة الأبيقورية (الانغماس في الملذات) عقيمة كذلك، حيث تصبح اللذة مملة بالتكرار، وتضاعف من مصادر اللم ودرجاته. ويثني هومر على عيسوب لتعليمه مع الخرافات، ولكنه يحذره من أن الحقيقة هي آخر ما يرغب به البشر". إن روح الإنسان تتعاطف مع الباطل إلى أبعد حد .... وينبغي أن تلبس الحقيقة ثوب الباطل حتى يتقبلها البشر بارتياح (٥١) ". وقال فونتنيل "لو أن الحقيقة كلها بين يدي فلا بد من أن أحرص على ألا أفتحها (٥٢) "، ولكن ربما كان هذا من قبيل العطف والإشفاق على البشر بقدر ما هو من قبيل الحب الطائش للمطاردة.
وفي ألطف المحاورات يلتقي مونتاني بسقراط، في الجحيم لا ريب، ويناقش فكرة التقدم، مونتاني-أهذا أنت، سقراط المقدس؟ ما أسعدني بلقائك لقد جئت لفوري إلى هذا المكان، ومنذ تلك اللحظة كنت أبحث عنك. وأخيراً وبعد أن ملأت كتابي باسمك وبامتداحك وبالثناء عليك، أستطيع أن أتحدث إليك.
سقراط-أني سعيد أن أرى إنساناً ميتاً يبدو أنه كان فيلسوفاً، ولكن حيث أنك جئت من هناك أخيراً … دعني أسألك عن الأخبار كيف حال الدنيا؟ ألم تتغير كثيراً؟