تفسير للمنابع البشرية للمعتقدات الدينية، وبهذا يضفي الحالة الطبيعية على كل ما هو خارق للطبيعة.
وكان "تاريخ الوحي" آخر العمليات التي استنزفت حيوية فونتنيل. وفي ١٦٩١ انتخب عضواً في الأكاديمية الفرنسية برغم معارضة راسين وبوالو. وفي ١٦٩٧ أصبح، وبقي لمدة اثنين وأربعين عاماً، السكرتير الدائم لأكاديمية العلوم. وكتب تاريخها، وأطنب في امتداح من فارقوا الحياة من الأعضاء. وهذا يشكل سجلاً وعرضاً وضاءين للعلوم في فرنسا لمدة نصف قرن تقريباً. وبمثل هذه الجلسات العلمية استطاع فونتنيل أن ينفذ-بمثل القدر من الغبطة والسرور إلى الصالونات-صالون مدام دالمبرت أولاً، ومدام دي تنسين، ثم مدام دي جيوفرين. وكان موضع الترحيب، لا لمجرد شهرته باعتباره كاتباً، بل لأن روح الكياسة واللطف والمجاملة لم تفتر فيه قط. أنه مزج الحقيقة بالتعقل، واستنكف أن يعكر جو المناقشة بالخلافات، ولم يكن ذكاؤه لاذعاً. "لم يكن في عصره من هو أكثر منه تفتحاً في الذهن أو تجرداً من الحقد والضغينة والتحيز (٥٧) " واتهمته في حمق مدام دي تنسين، التي كانت سريعة الانفعال والغضب، بأن له مخاً آخر لا بد أنه كان يحتفظ فيه بقلبه (٥٨). ولم يستطع الشباب قتلة الآلهة الذين كانوا يتكاثرون حوله أن يفهموا اعتداله أكثر مما استساغ هو تعصبهم وعنفهم. "أني لتزعجني الحقائق التي تسيطر من حولي (٥٩) ". ولم ير شراً محضاً في ضعف سمعه حين تقدمت به السنون.
وظاهر أنه في نحو الخمسين من العمر اعتزم ألا يقدم بعد ذلك إلا خدمات أفلاطونية للسيدات، ولكن كياسته لن تتداع. وعندما قدموه إلى سيدة جميلة، وهو في سن التسعين، قال:"آه: لو أني الآن في الثمانين فقط! (٦٠) " وفي سن التاسعة والثمانين تقريباً افتتح حفل عام جديد بالرقص مع ابنة هلفيشيوسي البالغة من العمر عاماً ونصف العام (٦١). ولما قالت مدام جريموذ متعجبة، وكانت في مثل سنه تقريباً "حسناً. ها نحن كلانا حي يرزق" وضع إصبعه على شفتيه وهمس "صه يا سيدتي، إن الموت قد نسينا (٦٢) ".
ولكن الموت عثر عليه أخيراً في ٩ يناير ١٧٥٧، واختطفه في سكون، ولم يكن قد مرض إلا يوماً واحداً. وأوضح لأصحابه أنه كان