للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأرض وتعاقب دوراتها، ونظرية ديكارت في الدوامات. وزيادة في الإغراء أثار فونتنيل مسألة أخرى: هل القمر وسائر الكواكب مسكونة؟. وكان ميالاً إلى أن يعتقد هذا. ولكنه تذكر أن بعض القراء قد تزعجهم فكرة أن في العالم نساء ورجالاً لم ينحدروا من آدم وحواء، ومن ثم أوضح في حزم ولباقة أن سكان القمر والكواكب لم يكونوا بشراً حقيقيين. ومهما يكن من أمر فإنه أوحى بأنه قد يكون لهم حواس أخرى، ربما كانت أدق من حواسنا، وإذا كان الأمر كذلك فإنهم قد يرون الأشياء مختلفة عما نراها نحن، فهلا تكون الحقيقة عندئذ نسبية؟. وقد يقلب هذا كل شيء رأساً على عقب، حتى أكثر مما فعل كوبرنيكس. وأنقذ فونتنيل الموقف بالإشارة إلى جمال الكون ونظامه، مقارناً إياه بساعة، مستدلاً بميكانيكية الكون على صانع بارع ذي ذكاء خارق.

ولما كانت الرغبة في التعليم من أقوى الرغبات فينا، فإن فونتنيل عاود المخاطرة بالاقتراب من الباستيل بإصداره في ديسمبر ١٦٨٨ رسالة غفلاً من اسم المؤلف، هي أجرأ رسائله الصغيرة تحت عنوان "تاريخ الوحي". واعترف بأنه اقتبس مادتها من كتاب "الوحي" الذي ألفه أحد الباحثين الهولنديين، فان وايل، ولكنه حورها بأسلوبه الواضح الرشيق. وقال أحد القراء: "أنه يتملقنا لمعرفة الحقيقة" وهكذا قارن الرياضيين بالعاشقين. "ضع أمام الرياضي أقل قاعدة أو مبدأ، ولسوف يستنتج منه نتيجة، ويجدر بك أن تسلم له بها، ومن هذه النتيجة أخرى وهكذا .... (٥٦). إن رجال اللاهوت كانوا قد قبلوا بعض الوحي الوثني باعتباره صحيحاً صادقاً، ولكنهم كانوا قد نسوا دقته المعارضة إلى أحياء شيطاني، واعتبروا برهانهم على قدسية أصل الكنيسة، أن هذا الوحي انقطع منذ مجيء السيد المسيح، ولكن فونتنيل أوضح أن الوحي استمر حتى القرن الخامس الميلادي. وبرأ الشيطان من أنه صانعه، فالإيحاءات كانت حيلاً من الكهنة الوثنيين الذين تحركوا في المعابد ليأتوا بمعجزات ظاهرة، أو ليستولوا على الطعام المقدم من العابدين للآلهة. وادعى أنه ما تحدث إلا عن الوحي الوثني، وأنه استثنى صراحة الوحي والكهنة المسيحيين من هذا التحليل. ولم يكن هذا المقال ومقال "أصل الأساطير" مجرد ضربتين إيذاناً بعصر الاستنارة، بل كانتا كذلك، مثلين لمدخل جديد إلى المسائل اللاهوتية-