للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يسبح محاذراً غاية الحذر، قد بات قاب قوسين أو أدنى من سجن الباستيل. ذلك أنه حوالي ١٦٨٥ نشر رسالة مختصرة "علاقة جزيرة بورنيو"، وهي رحلة وهمية، صورها الكاتب في صورة واقعية (استبق به شبيهاتها عند ديفو وسويفت) إلى حد أن بيل طبعها في "الأخبار" على أنها تاريخ فعلى. ولكن الصراع الذي وصفته هذه الرسالة بين أنيجو ومريو كان هجاء سافراً للصراع الديني بين جنيف وروما. ولما اطلعت السلطات الفرنسية على الجناس التصحيفي (تغيير ترتيب الحروف في الكلمة) بدا أن اعتقال فونتنيل أمر لا مفر منه، لأن الملاحظة الساخرة بدت وكأنها تنطبق على إلغاء مرسوم نانت تماماً. فأسرع في نشر قصيدة يمتدح فيها "انتصار الدين في عهد لويس العظيم". وقبل اعتذاره. ومن تلك اللحظة حرص فونتنيل على أن تكون فلسفته غامضة يصعب على الحكومات إدراك مراميها.

وعاد إلى العلوم، وجعل من نفسه مبشراً بها في المجتمع الفرنسي. وكان شديد الكلف بالدعة والراحة، فلم يعكف بطريق مباشر على التجارب والأبحاث، ولكنه وعي العلوم وعياً حسناً، فقدمها لجمهور مستمعيه المتزايد، في جرعات صغيرة مغلفة بفن الأدب. ورغبة منه في تقريب فلك كوبرنيكس إلى الأذهان وجعله في متناول الناس، ألف "محادثات في تعدد العوالم" (١٦٨٦). وعلى الرغم من أن مائة وثلاثة وأربعين عاماً كانت قد انقضت على ظهور كتاب كوبرنيكس فإن قلة من الناس في فرنسا، حتى بين المتخرجين في الجامعات، كانت قد قبلت نظرية أن الشمس هي مركز العالم، وأدانت الكنيسة جاليليو لأنه اعتبر أمراً مفروغاً منه أن هذه الفرضية حقيقية، وما يجرؤ ديكارت على نشر رسالته "العالم" التي اعتبر فيها أن نظرية كوبرنيكس قضية مسلم بها.

وتناول فونتنيل الموضوع في كياسة تبعد عن النقمة، فتصور أنه يناقشه مع مركيزة مليحة يتحرك شكلها-غير مرئي ولكنه محسوس-أثناء الحوار بصورة مغرية فاتنة، لأن الجمال إذا اتخذ لقب البطولة أمكنه أن يكسف النجوم. وكانت "المحادثات" الست أمسيات. وكان المشهد في حديقة قصر المركيزة بالقرب من روان. وكان الهدف من ذلك هو أن يفهم الناس في فرنسا-أو على الأقل سيدات المجتمع-حركة