تصدع في المعبد، كما أشار الأصدقاء والأعداء على السواء. وفي براعة كبيرة انتقد أولدنبيرج البديهيات والقضايا التي صدر بها كتاب الأخلاق (١٨٥). وتناولها أولدنبيرج بتحليل دقيق مفصل يتسم بالدقة الألمانية (١٨٦). وكان المنطق مشرقاً، ولكنه استنتاجي إلى حد مرهق، وكان، ولو أنه مبني على خبرة شخصية، عبارة عن براعة الفكر ترتكز على اتساق ذاتي، لا على حقيقة موضوعية. إن وثوق سبينوزا باستنتاجاته وتفكيره (وإلا فيم يسترشد؟) كان التوقع الوحيد في عمله. لقد عبر عن ثقته في قدرة الإنسان على فهم الله، أو الحقيقة الأساسية أو القانون الكوني، وكم من مرة أعلن عن اقتناعه بأنه أثبت نظرياته فوق كل شك أو جدل أو غموض أو لبس، وتحدث أحياناً في لهجة توكيد لا يتأتى صدورها عن رذاذ من الزبد تحليلاً وتفسيراً للبحر. وأية جدوى إذا كان كل المنطلق وسيلة عقلية أو آلة موجهة مساعدة للذهن الباحث، لا كيان العالم؟ وهكذا يختزل منطق الجبرية الذي لا مفر منه، الوعي إلى ظاهرة ثانوية (كما أعترف هكسلي) لاحقة، ظاهر أنها زائدة غير ضرورية لعمليات سيكولوجية، قد تجري بدونها بمقتضى ميكانيكية أو آلية العلة والنتيجة. ومع ذلك ليس ثمة شيء يبدو حقيقياً، أو شيء يبدو مثيراً، أكثر من الوعي. ويبقى اللغز الأكبر بعد أن قال المنطق كلمته.
وربما أسهمت هذه الصعوبات في عدم شعبية فلسفة سبينوزا في أول قرن مضى بعد وفاته. ولكن أشد الاستياء أنصب على نقده للكتاب المقدس والنبوءات والمعجزات، وعلى فهمه لله جديراً بالحب ولكن غير مجسم متصام لا يريد الإصغاء. واعتبر اليهود ابنهم خائناً لقومه، وصب المسيحيين عليه اللعنة شيطاناً بين الفلاسفة، مسيحاً دجالاً سعى لسلب العالم من كل معنى ورحمة وأمل، بل أن المهرطقين أنفسهم أدانوه واستنكروه. ونفر بيل من وجهة نظر سبينوزا في أن كل الأشياء وكل الناس أشكال من نفس الجوهر الواحد أو العلة الواحدة أو الله، وحينئذ-كما قال بيل-فإن الله هو العامل الحقيقي في كل الأفعال، والعلة الحقيقية في كل الشرور، وكل الجرائم. وكل الحروب، حتى إذا ذبح أحد الأتراك رجلاً من المجر، كان الله هو الذي قتل نفسه، ثم احتج بيل (ناسياً ذاتية الشر) على أن هذا "أسخف وأبشع فرضية (١٨٧) " وكان لبينتز، لعقد من السنين (١٦٧٦ - ١٦٨٦) متأثراً أشد التأثر بسبينوزا. أن نظرية "الجواهر الروحية