للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لقاءه فإذا لقيهم قسا عليهم، وذلك لأنه لم يكن يتورع عن أن يعلم الكسول بضربة من عكازته ويطرده من حضرته دون أن تأخذه به رأفة. ومن أقواله: "ما أشقى الرجل الذي يملأ بطنه بالطعام طوال اليوم، دون أن يجهد عقله في شيء .. لا يتواضع في شبابه التواضع الخليق بالأحداث، ولا يفعل في رجولته شيئاً خليقاً بأن يأخذه عنه غيره، ثم يعيش إلى أرذل العمر- إن هذا الإنسان وباء" (٧٣).

وما من شك في أنه كان يبدو غريب المنظر وهو واقف في حجرته أو في الطريق العام، يعلم مريديه التاريخ والشعر والآداب العامة والفلسفة، ولا يقل استعداده وهو في الطريق عن استعداده وهو في حجرته. وتمثله الصور التي رسمها له المصورون الصينيون في آخر سني حياته رجلاً ذا رأس أصلع لا تكاد تنمو عليه شعرة، قد تجعد وتعقد لكثرة ما مر به من التجارب، ووجه ينم عن الجد والرهبة ولا يشعر قط بما يصدر عن الرجل في بعض الأحيان من فكاهة، وما ينطوي عليه قلبه من رقة، وإحساس بالجمال مرهف يُذكّر المرء بأنه أمام إنسان من الآدميين رغم ما يتصف به من كمال لا يكاد يطاق، وقد وصفه في أيام كهولته الأولى مدرس له كان ممن يعلمونه الموسيقى فقال:

"لقد تبينت في جونج- تي كثيراً من دلائل الحكمة، فهو أجبه واسع العين، لا يكاد يفترق في هذين الوصفين عن هوانج- دي. وهو طويل الذراعين ذو ظهر شبيه بظهر السلحفاة، ويبلغ طول قامته تسع أقدام (صينية) وست بوصات .. وإذا تكلم أثنى على الملوك الأقدمين، وهو يسلك سبيل التواضع والمجاملة؛ وما من موضوع إلا سمع به، قوي الذاكرة لا ينسى ما يسمع؛ ذو علم بالأشياء لا يكاد ينفد. ألسنا نجد فيه حكيماً ناشئاً؟ " (٧٤).

وتعزو إليه الأقاصيص "تسعاً وأربعين صفة عجيبة من صفات الجسم يمتاز بها عن غيره من الناس". ولما فرّقت بعض الحوادث بينه وبين مريديه في أثناء