تجواله، عرفوا مكانه على الفور من قصة قصها عليهم أحد المسافرين، قال إنه التقى برجل بشع الخلقة "ذي منظر كئيب شبيه بمنظر الكلب الضال". ولما أعاد هذا القول على مسامع كنفوشيوس ضحك منه كثيراً ولم يزد على أن قال:"عظيم! عظيم! "(٧٥).
وكان كنفوشيوس معلماً من الطراز القديم يعتقد أن التنائي عن تلاميذه وعدم الاختلاط بهم ضروريان لنجاح التعليم. وكان شديد المراعاة للمراسم، وكانت قواعد الآداب والمجاملة طعامه وشرابه، وكان يبذل ما في وسعه للحد من قوة الغرائز والشهوات وكبح جماحها بعقيدته المتزمتة الصارمة. ويلوح أنه كان يزكي نفسه في بعض الأحيان. ويروى عنه أنه قال عن نفسه يوماً من الأيام مقالة فيها بعض التواضع- "قد يوجد في كفر من عشر أسر رجل في مثل نبلي وإخلاصي، ولكنه لن يكون مولعاً بالعلم مثلي"(٧٦). وقال مرة أخرى "قد أكون في الأدب مساوياً لغيري من الناس، ولكن (خلق) الرجل الأعلى الذي لا يختلف قوله عن فعله هو ما لم أصل إليه بعد (٧٧) "لو وجد من الأمراء من يوليني عملاً لقمت في اثني عشر شهراً بأعمال جليلة، ولبلغت (الحكومة) درجة الكمال في ثلاث سنين" (٧٨). على أننا نستطيع أن نقول بوجه عام إنه كان متواضعا في عظمته. ويؤكد لنا تلاميذه أن "المعلم كان مبرأ من أربعة عيوب؛ كان لا يجادل وفي عقله حكم سابق مقرر، ولا يتحكم في الناس ويفرض عليهم عقائده، ولم يكن عنيداً ولا أنانياً" (٧٩). وكان يصف نفسه بأنه "ناقل غير منشئ" (٨٠). وكان يدعي أن كل ما يفعله هو أن ينقل إلى الناس ما تعلمه من الإمبراطورين العظيمين يو وشون. وكان شديد الرغبة في حسن السمعة والمناصب الرفيعة، ولكنه لم يكن يقبل أن يتراضى على شيء مشين ليحصل عليهما أو يستبقيهما. وكم من مرة رفض منصباً رفيعاً عرضه عليه رجال بدا له أن حكومتهم ظالمة. وكان مما نصح به تلاميذه أن من واجب الإنسان أن يقول: