وفي علم الحياة (البيولوجيا) تصور ليبنتز "التطور" بشكل غامض. ورأى، مثل كثير من المفكرين قبله وبعده "قانون الاستمرار" نافذاً في العالم العضوي، ولكنه امتد بالفكرة كذلك إلى العالم المظنون أنه غير عضوي: فكل شيء نقطة أو طور في سلسلة لا نهاية لها، مرتبط بكل شيء غيره عن طريق عدد غير محدود من أشكال وسيطة (٧٩)، فهناك كما يقال، حساب اللامتناهيات في الصغر يجري في الحقيقة.
ليس ثمة شيء يتم على الفور. ومن حكمي البليغة … أن الطبيعة لا تقوم بقفزات .... ويعلن قانون الاستمرار أننا ننتقل من الأصغر إلى الأكبر والعكس بالعكس عبر الوسط، درجة درجة، وجزءاً جزءاً على حد سواء (٨٠). (وينازع في هذا كثير من الفيزيائيين اليوم) … والناس مترابطون مع الحيوانات. والحيوانات مترابطة مع النبات، وهذه ثانية مع الأحافير والمستحدثات، وهي بدورها مرتبطة بتلك الأجسام التي يصورها لنا الإحساس والخيال ميتة وغير عضوية تماماً (٨١).
وفي هذا "الاستمرار" المهيب تذوب كل التناقضات، عن طريق سلسلة ضخمة من فوارق توجد ونادراً ما يتيسر إدراكها إدراكاً حسياً، من أبسط المواد إلى أكثرها تعقيداً، ومن أصغر الحيوانات الدنيا التي ترى بالمجهر إلى أعظم حاكم أو عبقري أو قديس.
ويبدو أن ذهن ليبنتز قاس كل هذا الاستمرار الذي وصفه، وكان حسن الاطلاع على كل علم، وعرف تاريخ الأمم والفلسفة. وكم مس مساً رقيقاً الشئون العالمية للكثير من الدول، كما كان على علم تام بالذات وبالله. وفي ١٦٩٣ نشر بحثاً عن نشأة الأرض وبدايتها متجاهلاً سفر التكوين تجاهلاً تاماً. وطور أفكاره الجيولوجية وتوسع فيها في رسالة "بروتوجيا" نشرت ١٧٤٩ بعد وفاته. وذهب إلى أن كوكبنا كان يوماً كرة ملتهبة، ثم بردت شيئاً فشيئاً، كونت قشرة، وعندما بردت تكاثف البخار بها إلى مياه ومحيطات-وأصبح الماء ملحاً بذوبان ما في القشرة من معادن. وكانت التغييرات الجيولوجية، التي تلت ذلك، أما نتيجة لفعل المياه التي فاضت على السطح تاركة تكوينات رسوبية، أو نتيجة