الكثيرة، إلا وهو ادعاء الفكر الثاقب ذي القيمة والأهمية. وربما بالع في الفطرية "الأفكار الفطرية"، ولكنه سلم بأنها قدرات أو مواهب أو استعدادات، وليست أفكاراً وأفلح في إظهار أن المذهب الحسي عند لوك كان قد بالغ في تبسيط عملية المعرفة، وأن "الذهن" بطبيعته-إذا كان خالياً فجاً عند الولادة-إنما هو عضو للاستقبال الفعال للأحاسيس ومعالجتها وتحويلها، وهنا، يقف ليبنتز، كما يقف في آرائه عن المكان والزمان، شامخاً، مبشراً بكانت. واكتنفت الصعوبات نظرية المونادات (إذا لم تكن ممتدة، فكيف يتسنى لأي عدد منها أن يحدث امتداداً؟ وإذا كانت "تدرك" الكون إدراكاً حسياً فكيف يكون لديها مناعة ضد أي تأثير خارجي؟)، ولكنها كانت محاولة بارعة أن يجتاز الهوة بين الذهن والمادة، حين جعل المادة عقلية، ولم يجعل الذهن مادياً، وأخفق ليبنتز بطبيعة الحال في التوفيق بين الآلية والتدبير في الطبيعة، أو بين الآلية في الجسم والحرية في الإرادة. وكان فصله بين الذهن والجسم من جديد، بعد أن كان سبينوزا قد وحد بينهما في عملية ذات جانبين، خطوة إلى الوراء في الفلسفة. وكان زعمه أن هذا أفضل العوالم الممكنة مسعى حميداً مشجعاً مفعماً بالأمل، من جانب رجل البلاط، للتسرية عن ملكة، أن أعلم الفلاسفة (أكاديمية بأسرها في شخصه-كما قال عنه فردريك الأكبر) كتب لاهوتاً، كأن شيئاً لم يحدث في تاريخ الفكر منذ سانت أوغسطين. ولكن مع كل مواطن الضعف فيه كانت إنجازاته في العلوم والفلسفة ضخمة. وكان محباً لوطنه ومع ذلك "أوربياً صالحاً"، فأعاد إلى ألمانيا مكاناً مرموقاً في تنمية الحضارة الأوربية وتطويرها. وكتب فردريك الثاني "من كل الذين رفعوا من شأن ألمانيا، قام توماسيوس وليبنتز بأجل الخدمات للروح الإنسانية (٩٥) ".
وضعف تأثير ليبنتز عندما قلت قيمة لاهوته أمام الوعي الأخلاقي عند الناس، وعلى مدى جيل بعد وفاته أعاد كريستيان فون ولف صياغة فلسفته صياغة مرتبة. وفي هذا الشكل المعدل أصبحت النمط الفكري السائد في الجامعات الألمانية. وكان أثره خارج ألمانيا يسيراً. ولو أن معظم كتاباته كانت باللغة الفرنسية، فإنها كانت عبارة عن قصاصات لا تشكل عملاً قوياً متماسكاً أو مركزاً. ولم تظهر حتى ١٨٦٨ أية طبعة تجمعها، بل أنه في تلك السنة أيضاً استبعدت بعض الفقرات