ناهيك بأن إنجلترا لم تكن غفرت له نزاعه مع نيوتن حول أيهما وضع حساب التفاضل والتكامل.
واستبد به اليأس والوحدة، وعاش عامين آخرين كافح فيهما من أجل الإيمان بحسن نية الكون ومقاصده، أن الرجل الذي عرفوه في القرن الثامن عشر بأنه رسول التفاؤل قضى نحبه متأثراً بداء النقرس وحصاة الكلى في هانوفر، وفي ١٤ نوفمبر ١٧١٦. ولم تحفل بموته أكاديمية برلين، ولا رجال الحاشية الألمان في لندن، ولا أي من أصدقائه في البلد، ولم يحضر أحد من رجال الدين للقيام بالطقوس الدينية للفيلسوف الذي كان يدافع عن الدين ضد الفلسفة. ولم يشيع جنازته إلا رجل واحد، هو سكرتيره السابق، وكتب اسكتلندي كان آنذاك في هانوفر "ووري ليبنتز التراب أقرب شبهاً بلص، منه بما كان عليه حقاً: درة في جبين بلاده ومفخرة لها (٩٢) ".
وجدير بنا ألا نشغل الصفحات ببيان أوجه الخلل والنقص في هذا الركام المتعدد الأشكال من الأفكار، فقد قام الزمن منذ عهد بعيد بهذه المهمة الثقيلة. واتهم النقاد ليبنتز بسرقات كثيرة واضحة في كل ما كتبه أو قال به. وعثروا على علم النفس الذي جاء به أفلاطون، والعدل الإلهي عند الفلاسفة السكولاسيين، والمونادات عند برونو، والميتافيزيقيا والأخلاق وعلاقة الذهن بالجسم عند سبينوزا، ولكن من الذي يستطيع أن يقول عن هذه المسائل شيئاً غير ما قيل منذ مائة عام. أن لأيسر أن يكون المرء أصيلاً وأحمق من أن يكون أصيلاً وحكيماً. وهناك ألف من الأخطاء المحتملة في كل حقيقة ولم يستنفذ الجنس البشري بعد كل الإمكانات مع ما بذل من جهود ومحاولات. وهناك هراء كثير في ليبنتز، ولكنا لا نستطيع الجزم بأنه كان هراء أميناً، أو أنه كان تغييراً وقائياً في اللون، أنه يقول لنا بأنه الله حين خلق الدنيا رأى سبحانه في ومضة، كل ما كان سيحدث في أدق تفاصيله (٩٣). وقال "أنا دائماً أبداً فيلسوفاً، ولكني دائماً انتهي رجلاً من رجال اللاهوت (٩٤) ". أي أنه أحس أن الفلسفة تخطئ هدفها إذا لم تؤد إلى الفضيلة والتقوى.
وهيأ له حواره الطويل الذكي مع جون لوك واحداً من ادعاءاته