ولكن، كما يقول فونتنيل "أمهلته السيدة التي طلب يدها، لتدبر الأمر، وحيث تهيأت له فرصة لإعادة النظر في الموضوع، فإنه لم يتزوج قط (٨٩) ". وبعد جولاته وتحليقاته في الدبلوماسية طوى نفسه على دراساته معتزاً بالعكوف عليها في عزلة. أن الرجل الذي كان قد نقب بذهنه في نصف العالم، باعد الآن بينه وبين أصدقائه. وتفرغ للقراءة والكتابة، حتى أثناء الليل. وقلما تنبه لأيام الآحاد أو العطلة. ولم يكن لديه خادم، وكان يبعث في طلب وجبات الطعام من الخارج، وتناولها وحيداً في غرفته (٩٠). فإذا غادرها يوماً، كان ذلك من أجل القيام ببعض الأحداث، أو لمتابعة مشروعاته من أجل النهوض بالمعرفة أو العلوم أو خلق جو من التفاهم.
وراوده حلم إنشاء أكاديميات في العواصم الكبرى، ونجح في واحدة منها، فأسست أكاديمية برلين (١٧٠٠) بناء على مبادرته، وانتخبته أول رئيس لها. وقابل بطرس الأكبر في تورجو
(١٧١٢)، ثم في كار لسباد وبيرمونت، واقترح أكاديمية مماثلة في سانت بطرسبرج، وحمله القيصر بالهدايا، وتبنى اقتراحه في حكم روسيا عن طريق "وحدات" إدارية، ولكن ليبنتز، لم يعمر حتى يرى أكاديمية سانت بطرسبرج صرحاً قائماً في ١٧٢٤. ونلتقي به في ١٧١٢ في فيينا متلهفاً للحصول على منصب إمبراطوري، حاملاً معه مشروع أكاديمية أخرى. وقدم لشارل السادس خطة لإنشاء معهد لا يقتصر على العلوم، بل يضم التربية والزراعة والصناعة، وعرض خدماته لإدارة المعهد. ورفعه الإمبراطور إلى مرتبة النبلاء، وعينه عضواً في المجلس الإمبراطوري (١٧١٢).
وأغضب طول تغيبه عن هانوفر الناخب الجديد جورج. وقطع راتبه فترة من الزمن وأنذر بأنه قد آن الأوان بعد مضي ربع قرن من التعويق والتسويف، للانتهاء من كتابه عن تاريخ أسرة برنزويك. وعند وفاة الملكة آن غادر جورج هانوفر ليتسلم عرش إنجلترا. وبعد ثلاثة أيام من هذا الرحيل، وصل ليبنتز من فيينا ١٧١٤. وكان يأمل في أن يذهبوا به إلى لندن حيث ينعم هناك بمنصب أرفع ورواتب أكبر، وبعث إلى الملك الجديد برسائل يسترضيه فيها. ولكن جورج رد بأنه من الخير أن يبقى ليبنتز في هانوفر حتى ينجز الحوليات (٩١).