وسبينوزا عاشا حياة مثالية تماماً، ولكن هذه الدواعي غلباً ما تنقطع في تلاميذهم ومقلديهم الذين يطلقون، اعتقاداً منهم بأنهم تخلصوا من الخوف المزعج من عناية إلهية متربصة مراقبة، ومن الخوف من المستقبل ينذر بالويل والثبور-يطلقون العنان لشهواتهم البهيمية وأهوائهم الوحشية، ويصرفون أذهانهم إلى إغواء الآخرين وإفسادهم. وإذا استبد بهم الطموح والطمع، أو كانوا ذوي ميول جافية نوعاً ما، فقد يسوغون لأنفسهم، رغبة في البهجة والسرور أو التقدم والرقي، أن يشعلوا النار في أربعة أركان المعمورة. لقد عرفت هذا من طبيعة وخلق بعض من طواهم الردى، وإني لأجد كذلك آراء شبيهة، تندس، شيئاً فشيئاً إلى أذهان رجال من ذوي المكانة الرفيعة المتلافين الذين يحكمون الناس ويتحكمون في مصائر الأمور، كما تندس في الكتب العصرية، وهي آراء تنزع بكل شيء إلى الثورة العامة التي تهدد أوربا (٩٩).
وإنا لنلمح في ثنايا هذه السطور روح القلق الموسوم بالإخلاص، وينبغي أن ننظر بالتقدير والإجلال إلى نصيحة التحذير التي تعبر عنها. ومع ذلك فإنه بعد أن محقت الاستنارة كل المذاهب الدينية، وأشعلت الثورة الفرنسية النار بشكل عابر، استطاع مؤرخ كبير أن ينظر إلى الوراء، إلى هذا العصر الأول من عصور العلوم والفلسفة الحديثة، ويرى في المغامرين فيه، لا مدمرين للحضارة، بل محررين للجنس البشري، قال لكي Leeky
هكذا درب معلمو القرن السابع عشر العظام … أذهان الناس ونظموها من أجل البحث والتحقيق المجردين غير المتحيزين، وفجروا، بعد أن حطموا التعويذة التي شلت حركتهم زمناً طويلاً، ينبوعاً من الحب الخالص للحقيقة التي أحدثت ثورة وتغييراً في كل جوانب المعرفة. وإلى هذا الدافع الذي انتقل آنذاك، يمكننا أن نتعقب حركة حاسمة كبيرة جددت كل التاريخ. وكل العلوم،