بآرائهم، لا يقنعون بما يعطى لهم من مراكز متواضعة .. وللسيد كونج هذا من الخصائص ما يبلغ الألف عداً .. ولو أردنا أن نلم بكل ما يعرفه عن مراسم الصعود والنزول لتطلب منا ذلك أجيالاً طوالاً" (٨٤). ولم يثمر هذا اللقاء ثمرة ما، وعاد كنفوشيوس على أثره إلى لو وظل يعلم تلاميذه فيها خمسة عشر عاماً أخرى قبل أن يستدعى ليتولى منصباً عاماً في الدولة.
وواتته الفرصة حين عُيّن في أواخر القرن السادس قبل الميلاد كبير القضاة في مدينة جونج- دو. وتقول الرواية الصينية إن المدينة في أيامه قد اجتاحتها موجة جارفة من الشرف والأمانة، فكان إذا سقط شيء في الطريق بقي حيث هو أو أعيد إلى صاحبه (٨٥). ولما رقاه الدوق دنج دوق لو إلى منصب نائب وزير الأشغال العامة شرع في مسح أرض الدولة وأدخل إصلاحات جمة في الشئون الزراعية، ويقال أنه لما رقي بعدئذ وزير للجرائم كان مجرد وجوده في هذا المنصب كافياً لقطع دابر الجريمة. وفي ذلك تقول السجلات الصينية: "لقد استحت الخيانة واستحى الفساد أن يطلاّ برأسيهما واختفيا، وأصبح الوفاء والإخلاص شيمة الرجال، كما أصبح العفاف ودماثة الخلق شيمة النساء. وجاء الأجانب زرافات من الولايات الأخرى، وأصبح كنفوشيوس معبود الشعب" (٨٦).
إن في هذا الإطراء من المبالغة ما يجعله موضع الشك؛ وسواء كان خليقاً به أو لم يكن فإنه كان أرقى من أن يعمر طويلاً. وما من شك في أن المجرمين قد أخذوا يأتمرون بالمعلم الكبير ويدبرون المكائد للإيقاع به. ويقول المؤرخ الصيني: إن الولايات القريبة من "لو" دب فيها دبيب الحسد وخشيت على نفسها من قوة "لو" الناهضة. ودبّر وزير ماكر من وزراء تشي مكيدة ليفرق بها بين دوق "لو" وكنفوشيوس، فأشار على دوق تشي بأن يبعث إلى تنج بسرب من حسان "الفتيات المغنيات" وبمائة وعشرين جواداً تفوق الفتيات جمالاً.